[success]المصطفى الزواوي[/success]
– السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض ، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
– السيد وزير العدل؛
– السيد المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج
– السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛
– السيد رئيس جمعية هيئة المحامين بالمغرب؛
– حضرات السيدات والسادة كل باسمه وصفته والتقدير الواجب لشخصه.
إنه لشرف كبير أن أشارك بمعيتكم أشغال هذا اليوم الدراسي الهام والذي يصادف مرور سنة على اعتماد المحاكمة عن بعد في تدبير القضايا بجلسات المحاكم، وهي مناسبة لتقييم هذه التجربة التي أعتبرها شخصياً تجربة ناجحة.
فكما تعلمون فقد كان لوباء كورونا المستجد تأثير كبير على الساحة الوطنية والدولية، حيث أرخى بظلاله على الوضع الاقتصادي والاجتماعي ، إذ كان السبب المباشر في تعطيل مجموعة من المعاملات الاقتصادية الدولية والوطنية والخدمات الإدارية والقضائية، وذلك نتيجة للتدابير الاحترازية التي تم اتخاذها للحد من تفشي هذا الوباء، هذا الوضع حتم البحث عن حلول واتخاذ مجموعة من التدابير للتوفيق بين حماية حقوق الأشخاص وحماية الصحة العامة التي تعتبر من مقومات النظام العام.
وفي هذا الإطار ومن أجل ضمان استمرار سير العمل بالمحاكم بشكل عاد والقيام بمهامها الدستورية، وتكريسا للحق في محاكمة عادلة داخل آجال معقولة، والذي يعتبر ﺷﺮﻃﺎً أﺳﺎﺳﻴﺎً ﻣﻦ ﺷﺮوط اﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺔ اﻟﻌﺎدﻟﺔ، ﺷﺮعت بلادنا بتاريخ 27 أبريل 2020، ﻓﻲ إجراء ﺟﻠﺴﺎت اﻟﻤﺤﺎﻛﻤات ﻋﻦ ﺑﻌﺪ، وذلك ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﺘﺪاﺑﻴﺮ اﻻﺣﺘﺮازﻳﺔ المتخذة لمواجهة تداعيات وباء كوفيد 19 المستجد.
والجدير بالذكر، أن العالم يشهد منذ سنوات ثورة تكنولوجية شملت كافة الميادين والمجالات ومنها القضاء، حيث عملت مجموعة من الدول ومنها بلادنا على مواكبة هذه التطورات والمستجدات من خلال استغلال الوسائل والتكنولوجيات الحديثة لتطوير قطاع العدالة، وفي هذا الإطار تم تدارك إمكانية اعتماد هذه التكنولوجيا على مستوى قضايا المعتقلين بعدما ظهرت بعض الإصابات بالفيروس على بعض نزلاء المؤسسات السجنية، وتم الاهتداء إلى جعل هذه المؤسسات فضاء مغلقا لا يسمح للنزلاء بمغادرته حماية لسلامتهم ودرءا لتفشي الوباء في صفوفهم.
فكانت نتائج تدارس الوضعية أن اهتدى المسؤولون عن العدالة وهم السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والسيد وزير العدل ورئاسة النيابة العامة والسيد المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج والسيد رئيس هيئات المحامين بالمغرب إلى اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد، وفقا لما هو معمول به في العديد من تشريعات الدول قبل ظهور وباء كورونا المستجد، هذا فضلا عن كون اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد لها مرجعياتها في العديد من المواثيق الدولية التي تعنى بالتصدي للجريمة ومنها:
– اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000 في مادتها 18
-اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003.
إن تفعيل التقاضي عن بعد في هذه المرحلة الاستثنائية والتي فرضت تحديات قانونية وحقوقية، يعد مسألة ضرورية وسابقة في مسار منظومة العدالة في بلادنا، حيث تم ﺗﺨﺼﻴﺺ ﻗﺎﻋﺎت داﺧﻞ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت السجنية ورﺑﻄﻬﺎ مباشرة ﺑﻘﺎﻋﺎت اﻟﺠﻠﺴﺎت، مما مكن ويمكن اﻟﻬﻴﺌات اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ من ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ اﻟﻤﻌﺘﻘلين الموجودين داﺧﻞ اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﺴﺠﻨﻴﺔ ﺑﻌﺪ موافقتهم وبحضور دفاعهم من الفصل في قضاياهم في آجال معقولة وبضمانات توفير شروط المحاكمة العادلة المعتمدة في هذا الصدد.
حضرات السيدات والسادة إن اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد لتجاوز الظروف التي فرضها تفشي فيروس كورونا المستجد، يندرج ضمن استراتيجية بلادنا الهادفة إلى تطوير منظومة العمل القضائي والنهوض بحقوق الإنسان وتعزيز شروط المحاكمة العادلة، حيث كان الهدف من استخدام هذه التقنية ضمان استمرار سير مرفق العدالة بحكم أن القضاء يعد الملجأ الأول لضمان حماية الحقوق والحريات الأساسية والذي يعتبر الفصل في القضايا لاسيما المرتبطة متعا بالحريات كتلك التي تتعلق بالأشخاص المتابعين في حالة اعتقال داخل آجال معقولة من أهم الآليات التي تكرس الحق في محاكمة عادلة.
وإذا كان القانون المغربي لم يتطرق صراحة إلى إمكانية اعتماد المحاكمة عن بعد بالنسبة للمتهم، فإن المادة 347-1 من قانون المسطرة الجنائية تنص على إمكانية لجوء المحكمة إلى استعمال تقنيات الاتصال عن بعد للاستماع إلى الشهود.
كما أن مشروع قانون المسطرة الجنائية وانسجاما مع مخرجات ميثاق إصلاح منظومة العدالة، جاء بمجموعة من المقتضيات القانونية المستجدة التي تعالـج موضوع المحاكمة عن بعد، والتي نأمل أن تجد طريقها إلى المصادقة عليها من قبل السلطة التشريعية في أقرب الآجال في أفق اعتماد الآليات المنظمة لتطوير عدالتنا.
والأكيد أن موضوع المحاكمة عن ما فتئ يثير نقاشاً بين من يتمسك بضرورة الحضور المادي شخصيا للمتهم أمام هيئة الحكم في قاعة المحكمة وبين من يتبنى مفهوم الحضور الافتراضي للمتهم، وهذا الرأي الأخير هو ما تم تبنيه من طرف أغلب القضاء المقارن، الذي يؤكد على أنه لا وجود لأي تعارض بين المحاكمة عن بعد وضمانات المحاكمة العادلة وأن ما يتم التركيز عليه في هذه الرقابة القضائية هو جودة الوسائل التقنية المستعملة في المحاكمة والتي تمكن كافة أطراف الدعوى من التواصل وممارسة الإجراءات والتمتع بالضمانات في أحسن الظروف.
وإذا كان النقاش حول شرعية المحاكمة عن بعد مبرر في الظروف العادية من أجل تحسين تصريف العدالة أو تسريع الإجراءات وتخفيف الاكتظاظ، فإنه في الظروف الاستثنائية حيث تكون الغاية منها التوفيق بين حماية حقوق الأشخاص ولحماية الصحة العامة، وذلك لكون حق المواطنين في الفصل في النزاعات داخل أجل معقولة يهدف الحصول على حقوقهم المضمونة دستوريا وقانونيا، يعتبر أهم عنصر في دعم ثقة المتقاضين بالقضاء، وحقاً من حقوق الإنسان خاصة إذا تعلق الأمر بالقضايا ذات الطبيعة الزجرية، وعلى هذا الأساس تعد المحاكمة عن بعد .



