[success]المواطن 24 – متابعة[/success]
كنت أراقبه وأنا متنكرة فى زي عرافة ،الإقتراب منه شبه مستحيل لعدة أسابيع ، كنت أنادى المتجولين وأحاول الكهانة بحسب ملامحهم ومجادلتهم .. كنت أصيب أحيانا من خلال الفراسة ، أما العشاق فكنت أخبرهم أنهم سيسعدون ، وكنت أدعو الله أن يجمعهم ولايفرقهم .مرّ من أمامى ذات صباح فناديته ولكنه لم يكترث ،تبعته فنهرنى فقلت : سيسطع نجمك ذات يوم يافتى التفت إلي وقال : من أين لك هذا الهراء . -إنك وسيم وعصبي وطيب ، تجمع المتناقضات ، ولكن أناملك مختلفة ، أرنى كفك فحسب ، وسأكشف لك المستور . سحب يده من يدى بسرعة ،انتابنى الحنين إليه ، وأنا أشد أصابعه التى انسابت كانسياب الرمال الحارة . -لا تدفع مالا ولكن اقبل رهانى ، إن وجدت كلامى فى غير محله ، سأرحل من هذا الشاطىء. وأخير ، جلس القرفضاء وناولنى كفه وهو يحملق فى عيونى ، فأربكنى .. -الحزن بداخلك ستحوله إلى فرح ، ستعوذ إلى ذويك وأنت تحمل شيئا دائريا لطالما حلمت به ،ستصادف رجلا جائعا فأطعمه ، وتحدث إليه ، سيوصلك إلى مبتغاك ، أخبره بسبب مجيئك إلى مثل هذا المكان . لحظات صمت ومسحة غضب ظهرت على وجهه ،جعلت أصابعى تشل ، نبضات قلبى تسارعت ، وفقدت تقليد صوت العرافة فجأة .هممت بالمغادرة ، كان هروبا اضطراريا من تلك النظرات الغاضبة ، منير يحمل الضغينة فى قلبه ، يرفضنى ، وفى نفس الوقت يحتاجنى ..
ومثلما ألاعبه بالظهور فى شخصيات زائفة ، يلاعبنى بعدم الفهم والإدراك ، مايعجبنى منحه لى بعض الوقت للمشاكسة ، ثم أعتدل بعدها .صار يفهم طباعى وحاجتى للترفيه ،لم يفكر يوما أني سيئة رغم الأخطاء المتلاحقة ، أكثر ماكان يقوم به بعض من عتاب محبب.لحظات تقارب سرعان ما تنتهى ، فأشتاق إليها ، فأتعمد جذبه بخطأ آخر .. تحول المنتزه إلى ورشة كبيرة ، الرسامون فى الحديقة يرسمون وجوه الزبائن مقابل مبلغ يصب فى خزينة المنتزه..هناك نحاتون ينحتون التماثيل الخشبية فى شكل مجسمات صغيرة الحجم ، تقدم هدايا وتباع للسياح القادمين من أوروبا ، بيع الكتب بالإهداء يخلق تقاربا بين الكاتب والقارىء ، وتمنيت أن يقرأ منير ما أكتب ذات يوم . حملت قصتى إلى دار نشر ،كانت الرفوف تضم كتب الفقه والفكر ،إلا أوراقى تحوى فوضى عارمة ، إنها فوضى الإنسان ، كم من منتج ثقب سفن بحارة الفن ،منهم من غرق ..ومنهم من نجا ..وكم من سيدة فاضلة حافظت على نفسها رغم الصعاب ،وكم من مستهترة تافهة ضيعت أغلى ماتملك الأنثى .. طرد بريدى يحضره ساعى البريد إلى المنتزه : آنسة منى ، هذا يخصك -مايحويه هذا الطرد ياترى ؟ تاريخ الختم والمصدر فرنسا ، ويكون قد مر عشر سنوات على رحيل فيكتور إلى العالم الآخر ، وترك فراغا رهيبا ،كان ينشر البسمة على وجوه الحاضرين ،ويقترب منهم ويتحسس مابداخلهم بطيب الكلام ،كان صديقا من نوع مختلف ، يصعب تكرره فى المنتزه ..كيف تتحول الذكرى الحزينة إلى فرح كبير .. صرخت وقفزت ،وناديت بأعلى صوتى كل المتواجدين ، إنه القرص ياالله ..إنه القرص .
للاشارة فقد تم تكريم قصة العرافة للكاتبة تركية لوصيف من طرف مجلة قلم السفير بهولندا.