المواطن24
صدرت المحكمة الابتدائية بميدلت حكما مبدئيا قضى برفض طلب إسقاط حضانة أم بسبب زواجها[1]، وكان لافتا في الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية اعتماده على حيثيات غير مسبوقة حيث اعتبر أن وجود ضرر نفسي محتمل للطفلة في حالة تغيير بيئة حضانتها يقتضي ترجيح مصلحتها الفضلى على مصلحة الأب وإبقاء الحضانة للأم رغم زواجها.
ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى الفاتح من أبريل 2022 حينما تقدم المدعي بطلب الى المحكمة الابتدائية بميدلت يعرض فيه بأن المدعى عليها هي طليقته، ولهما بنت تبلغ من العمر ثماني سنوات، وأن طليقته تزوجت، لذا يلتمس إسقاط حضانتها، وترتيب الآثار الناجمة على ذلك، مع النفاذ المعجل. وبناء على جواب المدعى عليها والذي أكدت فيه بأن البنت تتابع دراستها بتفوق كبير بالمستوى الرابع ابتدائي، وفي حاجة ماسة إلى والدتها، وقد ضحّت بالغالي والنفيس لكي تسهر على راحتها، وبأنها تعيش في جو يطبعه الاستقرار النفسي والعائلي، ملتمسة رفض الطلب.
وبناء على جلسة البحث في القضية التي أجرتها المحكمة، استمعت فيها للأبوين اللذين أكدا ما جاء في مذكراتهما، كما استمعت إلى الطفلة، حيث أكدت أنها تستقر مع والدتها رفقة أخوتها من أمها، وأنها تعيش في حالة جيدة رفقتهم، وأنها لا تعرف أباها لأنه لا يزورهم إلا نادرا، وأنها ترغب في العيش مع والدتها وأخوتها.
موقف المحكمة
قضت المحكمة برفض طلب إسقاط حضانة الأم رغم زواجها، معتمدة على العلل التالية:
إنه من المقرر قانونا أن الحضانة تسند لمن تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في المادة 173 من المدونة، ومنها القدرة على تربية المحضون ورعايته، ومراقبة تمدرسه؛
ولئن كانت المادة 171من المدونة تخول الحضانة للأم ثم للأب ثم لأم الأم فإن مقتضيات المادة 186 تفرض على المحكمة مراعاة مصلحة المحضون بالدرجة الأولى عند تطبيق مواد الباب المتعلق بالحضانة.
ثبت للمحكمة أن البنت تقيم مع والدتها رفقة زوجها وأخوتها من أمها وتحت حضانتها الفعلية مند صغرها، وأنها تنعم باستقرار نفسي مع والدتها، وتتابع دراستها بتفوق، فضلا عن أنها رفضت الانتقال للعيش مع والدها بشكل مطلق، وهو ما قد يشكل ضررا لها، الأمر الذي يجعل مصلحتها الفضلى تكمن في بقائها مع والدتها.
وعليه، قضت المحكمة برفض الطلب.
تعليق على الحكم
يعيد هذا الحكم إلى الواجهة الإشكاليات التي تواجه عددا كبيرا من النساء المغربيات المطلقات الراغبات في الاحتفاظ بحضانة أبنائهن في حالة الزواج.
حيث تنص المادة 175 من مدونة الأسرة على أن زواج الحاضنة الأم لا يسقط حضانتها إذا كان المحضون صغيرا لم يتجاوز 7 سنوات، أو يلحقه ضرر من فراقها، أو إذا كانت به علة أو عاهة تجعل حضانته مستعصية على غير الأم..
وعلى المستوى العملي، استقرّ اجتهاد أقسام قضاء الأسرة على التفسير الضيّق لهذه المقتضيات بحيث تحكم وبشكل تلقائي بسقوط حضانة الأم في حالة زواجها متى كان سن الطفل يتجاوز 7 سنوات، ولم يكن من ذوي الاحتياجات الخاصة.
تكمن أهمية هذا الحكم في كونه اعتمد على التفسير الواسع لمفهوم الضرر الذي يلحق بالطفل في حالة إسقاط حضانة الأم، وتبني فكرة الضرر النفسي المحتمل الناجم عن تغيير بيئة حضانته.
كما تكمن أهميته في الإجراءات التي اعتمدتها المحكمة والتي لجأت إلى الاستماع إلى الطفلة التي يبلغ سنها ثماني سنوات على سبيل الاستئناس للتأكّد من رأيها في مسألة إسناد حضانتها لأحد أبويها، علما بأنّ سن الاختيار المحدد في مدونة الأسرة هو 15 سنة[2].
من جهة أخرى، يلحظ أن المحكمة طبقت مبدأين من المبادئ المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل دون الإشارة إلى ذلك في حيثيات الحكم، ويتعلق الأمر بمبدأ المشاركة[3] بحيث استمعت إلى رأي الطفلة، ومبدأ المصلحة الفضلى للطفل[4] حينما استندت عليه لرفض طلب الأب واعتبرت وبشكل صريح في تعليل حكمها على أن وجود ضرر نفسي محتمل للطفلة في حالة تغيير بيئة حضانتها يقتضي ترجيح مصلحتها الفضلى على مصلحة الأب وإبقاء الحضانة للأم رغم زواجها.
من المعول أن يسهم نشر هذا الحكم على نطاق واسع في إعطاء أمل للعديد من الأمهات الحاضنات الراغبات في الزواج من جديد والاحتفاظ بحضانة أطفالهن، من دون التعرّض لضغوطات نفسية أو مادية في انتظار مراجعة مدونة الأسرة بعد مرور 18 سنة على صدورها.
وتطالب الجمعيات النسائية بالمغرب بحذف كل المقتضيات التمييزية الواردة في مدونة الأسرة وملاءمتها مع الاتفاقيات الدولية، خاصة ما يتعلق بالتمييز بين الأبوين في إسقاط الحضانة في حالة الزواج، حيث يؤدي زواج الأم الحاضنة لإسقاط حضانتها اذا كان سن الطفل يتجاوز 7 سنوات أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، بينما لا يؤدي زواج الأب الحاضن لإسقاط حضانته بغض النظر عن سن الطفل. كما تواجه الأمهات المتزوجات أو المطلقات إشكاليات في القيام بالإجراءات المتعلقة بالنيابة على الأطفال، لأن النيابة القانونية للأم على أطفالها لا تكون إلا على سبيل الاحتياط في حالة عدم وجود الأب أو غيابه