المواطن24
في عمق المغرب توجد مدينة صغيرة اسمها مدينة تازة. ليست معروفة بقدر شهرة مدن مغربية أخرى. بيد أن اسم هذه المدينة صار مرتبطا باسم شخص هو الذي يملك الآن مفاتيح الشرطة والمخابرات بالمغرب عبد اللطيف الحموشي، مدير جهازي الأمن ومديرية مراقبة التراب الوطن.من يكون هذا الرجل؟ ما سر تكتمه الشديد واختفائه الدائم عن الأنظار وعدسات الكاميرات؟ لماذا توضع فيه كل الثقة التي تجعله القابض بزمام الأمن بالمغرب؟ كاريزما أم غموض؟عبد اللطيف الحموشيصور عبد اللطيف الحموشي قليلة جدا. جلها صور يظهر فيه نصف وجه الرجل، والنصف الآخر يخفي ظل قبعته الأمنية. صوته أيضا لم يخرج مرة من مذياع أو تلفزة.المغاربة إذن لا يعرفون صوته. وصوره النادرة ترجع إلى سنوات مضت. هل تلك مواصفات رجل صارم؟هو أحد حماة الوطن في الخفاء ، الحصن المنيع وحارس المملكة المغربية ، العين التي لا تنام، رجل كتوم ، يفضل العمل في الظل بعيدا عن الأضواء.عبد اللطيف الحموشي المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني ، والمستشار الأمني لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، كاتم أسرار المملكة وأحد صقور المحافظة على النظام العام للبلاد ، قاهر الإرهاب والإرهابيين ، أنقد دولا كبرى من حمامات الدم ، و حفر اسمه في ذاكرة أجهزة الاستخبارات الأوربية ، منها الفرنسية ، الاسبانية ، البلجيكية والألمانية ، لتصبح المخابرات المغربية محور حديث صالونات الاستخبارات العالمية .عبد اللطيف الحموشي ، رجل جمع بين الصرامة والإنسانية ، التواضع وقوة التوقع ، يملك حسا استخباراتيا يجعله يستشعر ويتحسس مواقع الخلايا الإرهابية ، يملك ذكاء وحنكة جعلته يفك لغز أحداث باريس الإرهابية وأحداث برشلونة وألغاز أحداث كثيرة ..البداية والمساررأى عبد اللطيف الحموشي النور في مدينة تازة في العام 1966 ، وسط عائلة متواضعة تسودها الأجواء الايمانية والقيم المغربية وحب الوطن والدفاع عن ثوابته ومقدساتهكان عبد اللطيف متعلقا جدا بأمه وأبيه ، والده زرع فيه عزة النفس و الصرامة و القيم الوطنية وحب العلم ، أما والدته فقد زرعت فيه الخصال الحميدة والقيم الإنسانية ، جعلته في كبره يزاوج بينها وبين الصرامة والتواضع إضافة إلى أن والدته صنعت منه رجلا يحترم المرأة احتراما بالغايتجسد هذا في ايلائه أهمية كبرى للنساء الأمنيات من خلال العدد المهم منهن الموجودات بمختلف الفرق الأمنية وعلى رأس المسؤوليات في جهاز الأمن .عندما توفيت والدة عبد اللطيف الحموشي في غشت 2021 تأثر وحزن حزنا شديدا عليها ، واكتشف المغاربة حينها الجانب الخفي لحارس أمن المملكة المغربية ، بأنه بار بوالدته كثيرا كما والده وقد رافقها لأقدس البقاع لأداء مناسك العمرة ، فبره بالوالدين هو السر الكبير لنجاحه وقوتهعبد اللطيف الحموشي وكغيره من أبناء المغاربة درس في المدرسة العمومية في جميع مراحل التحصيل العلمي ، كان متميزا بين أترابه ومتوفقا جدا، وذلك بحصوله على أعلى النقط وأولى المراتب .بعدما سلك كل المراحل التعليمية بتفوق ، أكمل دراسته في كلية الحقوق والعلوم الاجتماعية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس.كان عبد اللطيف شابا هادئا يتابع الجدال الساخن الذي كانت تحبل به حلقات النقاش الطلابية وسط الجامعة ، كانت حرارة النقاش الفكري والسياسي والإيديولوجي، بين فصائل اليساريين عموما والقاعديين خصوصا، وإخوة عبد السلام ياسين، مرشد جماعة العدل والإحسان والجماعات الإسلامية بشكل عام تشد الانتباه في فترات الثمانينيات وبداية التسعينيات ، غير أن ذكاء الشاب عبد اللطيف وفراسته جعلته لا ينخرط في تلك النقاشات ولا ينتمي لأي فصيل ، بل كان يتابع ويحلل وهمه الوحيد هو التحصيل العلمي و التفوق الدراسي .من الحرم الجامعي استطاع الشاب عبد اللطيف أن يتمرس على تحليل الخطاب وميكانيزمات الإقناع لأي فصيل كان ، و أصبح خبيرا بالجماعات الإسلامية، المتطرفة منها ،هذه الخبرة ستفيده في مساره المهني مستقبلا ، حولته إلى شبح يثير الرعب في الخلايا الإرهابية النائمة و إلى صخرة يتفتت فوقها الإرهاب بكل تنظيماته سواء تنظيم القاعدة او داعش ومن هنا سيصبح بارعا في حروب المعلومة الاستباقية ، هذا بالإضافة إلى الجرائم بكل أنواعهامن دراسة الحقوق بفاس، إلى دراسة الأمن بالقنيطرة، تخرج عبد اللطيف الحموشي عميدا للأمن في العام 1993، فدخل إلى صفوف المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني حيث تعامل مع ملفات الخلايا المسلحة خاصة بعد الاعتداءات الإرهابية التي ضربت فندق أطلس آسني بمدينة مراكش في العام 1994.بعد تنحية وزير الداخلية السابق إدريس البصري في العام 1999، وتعيين الجنرال حميدو لعنيكري على رأس جهاز الدي أس تي، بدأ نجم الحموشي في الصعود كواحد من أكبر المتخصصين في طريقة عمل ما يسمى بالخلايا الجهادية وفي طرق مكافحتها، فضلا عن إلمامه الكبير بتاريخ الحركات السياسية المغربية على مختلف مشاربها.احتفظ الحموشي بمسؤولياته حتى بعد تنحية الجنرال لعنيكري عقب الهجمات الارهابية التي ضربت الدار البيضاء عام 2003. وفي عام 2007، أصبح عبد اللطيف الحموشي أصغر مدير عام لجهاز المخابرات الداخلية المغربية من حيث السن، حيث تقلد هذا المنصب الحساس وعمره لم يتجاوز ال 39 عاما.علا نجم عبد اللطيف الحموشي عاليا في السماء المغربية والأروبية وبالضبط في العام 2015 حين أمد الجهاز الأمني الذي يشرف على ادارته بمعلومة أمنية حاسمة لفرنسا ، في سياق التعاون المغربي الفرنسي على محاربة الإرهاب مساهمة من المملكة في وقف نزيف الدماء بفرنسا وبفضل تلك المعلومة استرجع الرأي العام الفرنسي ثقته في سياسييه وأمنييه، ورفع معنوياتهم من خلال القضاء على أباعود، العقل المدبر للاعتداءات الدموية التي هزت أركان فرنساكرَّمت الحكومة الفرنسية عبد اللطيف الحموشي بوسام استحقاق من درجة ضابط جوق الشرف ، والذي منحه إياه برنار كازنوف، وزير الداخلية في فبراير 2015، كما سبق أن تم توشيحه عام 2011 بوسام من درجة فارس، وفي ال 29 من نوفمبر 2016 اختارته ماروك إبدو أنترناسيونال شخصية العام بفضل مجهوداته في مجال الأمن ولكونه الشخصية الأكثر تمثيلية لمهمة أساسية وحيويةسيرة طويلة لعبد اللطيف الحموشي وانجازات كبرى لا يسع الحيز الزمني للبرنامج لذكرها أو تلخيصها لكن التاريخ سجل اسم هذا الرجل الذي يحمل هم المواطن في جيناته ورجل تواصل بامتياز كما أنه أصبح رقما أمنيا عالميا صعبا في فك ألغاز القضايا الكبرى .