نورالدين كودري
ينتظر نساء ورجال التعليم موعد الإفراج عن النظام الأساسي الجديد في أفق شهر يوليوز القادم، حسب تأكيدات سابقة للوزارة الوصية على القطاع، وسط حالة من الترقب والتوجس والإبهام حول هوية هذا النظام المرتقب ومدى قدرته على تحقيق العدالة والإنصاف والتحفيز، والقطع بالتالي بشكل لا رجعة فيه، مع جائحة الاحتجاج والاحتقان والإحباط واليأس، التي ظلت تلتف بعنق المنظومة التربوية على امتداد سنوات عجاف، كرست صورة نمطية للمدرس مقرونة بمشاهد البؤس والشكوى واليأس وفقدان الثقة والإحباط، ومشهدا دراميا لمدرسة عمومية أرهقها جمرالاحتقان.
وفي هذا الإطار، وفي ظل غياب المعلومة الصحيحة القادرة على زرع بذور الثقة والاطمئنان في أوساط الشغيلة التعليمية، لا من جانب الوزارة الوصية على القطاع، ولا من جانب النقابات التعليمية، تتناسل الأخبار والتسريبات بخصوص النظام الأساسي المرتقب، وسط زحمة من التساؤلات المشروعة، يذوب معها جليد الاطمئنان والأمل في بلوغ وإدراك نظام أساسي جديد يستوعب كل مطالب وانتظارات هذه الشغيلة التعليمية بكل فئاتها، في إطار من العدالة والإنصاف والتحفيز، ومن باب الواقعية والموضوعية، يصعب الخوض في تفاصيل أي نظام أساسي لم يتم الكشف عن هويته الحقيقية بعد، بل وربما لم يتم بعد، الانخراط الفعلي في أي حوار أو نقاش رسمي بشأنه بين الوزارة الوصية والفرقاء الاجتماعيين، في ظل ما يحيط بهذا الورش الإصلاحي من كتمان وإبهام، ما لم تكن “الطنجرة” تطبخ على نار هامدة.
لكن بالمقابل، نستطيع القول – كممارسين ومهتمين بالشأن التربوي – أن ما تعيشه الشغيلة التعليمية من غليان واحتقان على امتداد عقود من الزمن، مرده أولا “غياب إرادة سياسية حقيقية” قادرة على إعادة الاعتبار لهذه الشغيلة بما يضمن الكرامة بكل مستوياتها، ومرده ثانيا ” تعاقب أنظمة أساسية غابت وتغيب عنها شمس التحفيز والعدالة والإنصاف”، لم تنتج إلا الضحايا، ولم تعمق إلا بؤر الرفض والتوتر والإحساس بالغبن واليأس والإحباط، إلى درجة أن الشغيلة التعليمية بكل فئاتها ومستوياتها، باتت تتقاسم مائدة الاحتجاج على مضض.
وعليه، واعتبارا لحالة السخط والإحباط التي تسود في أوساط الشغيلة التعليمية بكل فئاتها، واستحضارا للرهانات المرتبطة بالنموذج التنموي الجديد، الذي لا يمكن تصوره إلا في ظل نظام تعليمي عصري تراعى فيه شروط “العدالة” و”الإنصاف” و”التحفيز”، وإدراكا لما تعيشه منظومة التربية والتكوين من أوراش إصلاحية يعول عليها لإحداث إقلاع تعليمي وطني، وإيمانا بالدور المحوري والمركزي الذي يمكن أن يضطلع بــه نساء ورجال التعليم، في إنجاح مختلف المحطات الإصلاحية، من العبث أن يتم تنزيل أو التفكير في تنزيل نظام أساسي جديد موحد لموظفي التربية والتكوين، تتحكم فيه هواجس مالية وتحركه توجهات “غير متبصرة ” تروم إثقال أعباء الشغيلة التعليمية بالمزيد من المهام والمسؤوليات المجانية، وكبح جماح الترقي المهني عبر اعتماد معايير جديدة “مبهمة” و”غير واقعية” تتحكم فيها “مبررات مالية” صرفة.
وفي هذا الإطار، وبقدر ما نثمن فتح الوزارة الوصية لبوابة الحوار الاجتماعي مع الفرقاء الاجتماعيين، بقدر ما نرى أن إصلاح واقع الحال، يقتضي تجاوز منطق “الحلول الترقيعية” التي تتعامل مع المطالب وفق منظور “فئوي”، وفتح نقاش حقيقي ومسؤول بدون خلفيات أو هواجس مسبقة، يستند إلى إرادة حكومية في إعادة الاعتبار للشغيلة التعليمية بكل فئاتها، ليس فقط للقطع مع ما عاشته وتعيشه المنظومة التربوية من احتقان طال أمده، بل ولأن هذه الشغيلة تعد المفتاح الحقيقي للإصلاح المأمول وصمام أمانه، ورد الاعتبار، لابد أن يمر عبر نظام أساسي جديد “عادل” و”منصف” و”محفز” لا تتحكم فيه هواجس أو خلفيات، إلا خدمة نساء ورجال التعليم والنهوض بأوضاعهم المادية والمهنية والاجتماعية.
وإذ ندلي بهذه الرؤى، نحذر كممارسين معنيين بالنظام الأساسي المرتقب، من أي إجهاز على المكاسب القائمة على الرغم من تواضعها ومحدوديتها، كما نحذر من أي توجه أو توجهات تروم التحكم في الشغيلة التعليمية أو التضييق عليها أو فرملة مساراتها المهنية، أو إثقالها بالمزيد من الأعباء المجانية المكرسة لمشاعر الرفض والسخط واليأس والإحبــاط، وفي هذا الإطار فالنقابات التعليمية لابد أن تتحمل مسؤولياتها النضالية كاملة، وهي مطالبة أكثر من أي وقت مضى، في أن تكون مفاوضا قويا، قادرا على الدفاع عن حقوق ومصالح نساء ورجال التعليم، والتصدي لأي مناورات أو توجهات من شأنها الإجهاز “الناعم” على ما يتطلعون إليه من مكتسبات وانتظارات.
ونثير انتباه من يهندس لهذا النظام الأساسي، أن يأس الشغيلة التعليمية بلغ مداه وإحباطها تجاوز منتهاه، ولا خيار اليوم، إلا استعجال إطفاء جمر الاحتقان، عبر الاجتهاد في بلورة وتنزيل مقتضيات نظام أساسي جديد “متوافق عليه” في مستوى التطلعات، تتحقق معه أهداف العدالة والإنصاف ومقاصد التحفيز، بشكل يعيد للمهنة مكانتها وجاذبيتها، وللمدرسة العمومية استقرارها وإشعاعها، مع التذكير أن أي ربط بين “النظام الأساسي المرتقب” و “الهواجس المالية” لن يكون إلا إصرارا على تكريس مسرحية الإخفاق، وهذه المرة بإخراج وسيناريو جديد وربما بضحايا ومناضلين جدد، على أمل أن تكون الحكومة في مستوى ما تعيشه المنظومة التربوية من دينامية إصلاحية، وما ينتظر الدولة من أوراش ورهانات تنموية، لن يستقيم عودها، إلا في ظل مدرسة عمومية آمنة ومطمئنة ومستقرة، تطلق العنان للتفكير والخلق والإبداع والإشعاع، وشغيلة تعليمية على جانب كبير من الدعم والتحفيز… وفي الختام، فمن يجيد لغة الهواجس والحسابات الضيقة في التعامل مع قضايا نساء ورجال التعليم، نذكره أن “فاتورة الجهل” أغلى بل وأقسى جدا على المجتمع والدولة والوطن على حد سواء…