المواطن24-متابعة
اليوم العالمي للمدرس الذي يصادف الخامس من شهر أكتوبر من كل سنة، قد يكون فرصة بالنسبة للبعض، للتعبير عن مشاعر الاحترام والتقدير لنساء ورجال التعليم في المغرب كما العالم، لما يضطلعون به من أدوار متعددة الزوايا في سبيل بناء الأجيال، ونشر رسالة النور والرقي والنبل والتميز والحياة، وقد يكون بالنسبة للبعض الآخر، مناسبة للاحتفاء وتبادل عبارات التهاني والأماني أمام حضرة “الحلويات” و”كؤوس الشاي المنعنع” في واقع تربوي لاصوت يعلو فيه على صوت الركود والتواضع والبؤس، وقد يكون الحدث بالنسبة للبعض الثالث، وقفة للتأمل في واقع حال المهنة، وربما لحظة للتعبير عن مشاعر “الأسف” و”الحزن” و”الإحباط”، بعدما بلغت الشغيلة التعليمية مستويات غير مسبوقة من السخط واليأس والاحتقان وانسداد الأفق، نتيجة سياسات عمومية طويلة، عبثت “مع سبق الإصرار والترصد” بشرف المهنة ورمزيتها المجتمعية، وحولتها إلى مهنة “متاعب” و”آهات” و”قلق” و”توجس” و”يأس” و”انسداد أفق” و”احتقان” لا ينتهي.
يوم عالمي، يأتي في لحظة خاصة واستثنائية بالنسبة لنساء ورجال التعليم بالمغرب، مرتبطة بما تعيشه المنظومة التربوية من دينامية إصلاحية، تنزيلا لأهداف ومقاصد القانون الإطار للتربية والتكوين، وأجرأة لمخرجات النموذج التنموي في شقها المتعلق بالنهوض بمنظومة التربية والتكوين، ووسط هذا المناخ الإصلاحي الذي لم تصل بعد، “رياحه المرسلة” إلى داخل الحرم المدرسي، تترقب الشغيلة التعليمية الإفراج عن النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية قبل متم السنة الجارية، وكلها آمال مشروعة في أن يقدم هذا النظام المرتقب ليس فقط “حلولا مبتكرة” لمختلف الملفات المطلبية التي عمقت خلال السنوات الأخيرة “بؤرة الاحتقان” داخل المدرسة العمومية، بل ويحمل رؤى متبصرة تستحضر متغيرات مهن التربية والتكوين، في ظل عالم يتغير باستمرار، يقتضي أنظمة أساسية عصرية ومرنة، قادرة على الاستجابة لما تتطلع إليه الشغيلة من “وحدة” و”عدالة” و”إنصاف” و”تكافؤ فرص” و”تحفيـز” و”تقدير” و”اعتراف”، وإلى مدرسة عمومية، تحضر الجودة المأمولة، في محيطها وبنياتها وساحاتها وأقسامها وحياتها المدرسية ومناهجها وبرامجها وطرائق تدريسها وعروضها التربوية.
إذا كانت الوزارة الوصية على القطاع ومن ورائها الحكومة “الاجتماعية” تردد في الحل والترحال خطاب “الجودة” وترفع بحماس شعار” من أجل مدرسة ذات جودة للجميع”، فالجودة المأمولة، حسب تقديرنا وتصورنا، لايمكن فك شفراتها بمجرد تبني خطاب إصلاحي رنان، أو استعجال رفع شعار “طوباوي” يبشر بمدرسة عمومية تحضر طقوس الجودة داخل أسوارها، ما لم يتم إعادة الاعتبار لمعلم/مدرس قال فيه الشاعر “قم للمعلم وفه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا”، ليس فقط، اعتبارا لرمزيته وقيمته المجتمعية وأدواره المحورية في بناء الإنسان/المواطن، وصون لحمة القيم والثوابت الدينية والوطنية، بل ولأنه أيضا، أساس “الجودة” بكل تفاصيلها وجزئياتها، ومحرك الإصلاح وصمام أمانه ومفتاح نجاحه.
إذا كانت طقوس الجودة التي يتطلع إليها الجميع، يجب أن تحضر في المناهج والبرامج والطرائق وبنيات الاستقبال، والوسائل الحديثة والحياة المدرسية والفصول الدراسية، فلهذه الطقوس مجتمعة، “مدخل أساس” هو المدرس/ة الذي لايمكن أن نتطلع إلى “جودة”، إلا به وعلى يديه، والوزارة الوصية على القطاع، وهي تسابق الزمن من أجل الكشف عن هوية النظام الأساسي الجديد قبل متم السنة الجارية، لابد لها أن تدرك تمام الإدراك، أن مدرسا يائسا ومتدمرا ومحبطا ومتمردا وساخطا ومقصيا ومغبونا، لايمكن البتة الرهان عليه في كسب رهان الإصلاح التربوي المنشود، ولابد لها أن تعلم أن مدرسا “يتسول” إذا ما جاز التوصيف، بين مدارس التعليم الخصوصي كل دخول مدرسي، بحثا عن “فرصة عمل” إضافية ترمم “بكرة” أجرته المصابة بمرض الكساح، أو يشتغل أحيانا أكثر من عشر ساعات يوميا بين “العمومي” و”الخصوصي” و”مراكز الدعم”، أو ينتظر بلهفة العشاق، خبر الإفراج عن مستحقاته المالية المجمدة منذ سنتين، لعل وعسى تخفف عنه أعباء وصعوبات الحياة، لايمكن قطعا التعويل عليه لإرساء لبنات منظومة تعليمية متقدمة تقود البلد بثبات، نحو مصاف البلدان المتقدمة والراقية.
الحكومة “الاجتماعية” لابد لها أن تستحضر بكل مسؤولية ومواطنة، ما تخلل المشهد التعليمي من احتقان خلال السنوات الأخيرة، شكل مساسا خطيرا بحقوق شرائح واسعة من المتعلمات والمتعلمين “لا ناقة لهم/ن ولا جمل” في معركة نضالية حامية الوطيس اكتفى فيها صناع القرار السياسي التربوي بلعب دور “الكومبارس”، وأن تقدر تداعيات الاستمرار في الفعل النضالي على المدرسة العمومية التي تتوق إلى إصلاح حقيقي يقطع مع مفردات “الماكياج” و”الديبناج”، وخاصة على النظام العام، في سياق جيوسياسي إقليمي ودولي، يقتضي جبهة داخلية موحدة ومتماسكة، وأن تستوعب أن رهانات التنمية الشاملة التي بشر بها النموذج التنموي الجديد، لايمكن إدراكها أو بلوغها، إلا بمنظومة تعليمية عصرية “منصفة” و”محفزة” و”مستقرة”، وقبل هذا وذاك، لابد لها أن تدرك، أن أي فشل محتمل في المشروع الإصلاحي التعليمي، لن تكون ضريبته، إلا قاسية وقاسية جدا على البلاد والعباد.
وفي هذا الإطار، لايمكن أن ندع الفرصة تمر، دون توجيه البوصلة كاملة، إلى كلمة السيد شكيب بن موسى، الوزير الوصي على القطاع، الذي وجه كلمة مطولة إلى المدرسات والمدرسين بمناسبة يومهم العالمي، ضمنها عبارات الشكر والامتنان، على “المجهودات المتميزة والتضحيات النبيلة التي يبذلونها بروح وطنية وبكل إخلاص من أجل الارتقاء بالمنظومة التربوية”، ولايمكن إلا نبادل – عبر هذه الكلمة – السيد الوزير الشكر بالشكر والامتنان بالامتنان، لكن في ذات الآن، نرى أن الاحتفاء الحقيقي بالشغيلة التعليمية، يتجاوز حدود “كلمة” باتت سنة حسنة، تلقى في عيد المدرس العالمي، ويتخطى عتبات خطاب تتقاطع فيه مفردات “الوعود” و”الاطمئنان”، ويقتضي -الاحتفاء- تمتيع هذه الشغيلة، بنظام أساسي عصري “ناجع” و”منصف” و”عادل” و”محفز”، يقدم حلولا مبتكرة لكل الملفات الشائكة التي لم تكرس إلا الاحتجاج” و”الاحتقان” في منظومة تربوية لايستقيم عودها إلا في مناخ من “الأمن” و”الاستقرار” و”الجاهزية” و”الاستعداد”.
الوزير الوصي على القطاع، يتحمل مسؤولية سياسية وتاريخية، في الارتقاء بواقع حال مهندس التدريس، والنهوض بالأوضاع المادية والمهنية والاجتماعية لنساء ورجال التعليم، لاعتبارين اثنين، أولهما، لأنه “مهندس النموذج التنموي” واستجمع بالتالي، ما يكفي من المعطيات وما يلزم من الحقائق حول المشهد التعليمي العمومي، وثانيهما أنه يدرك تمام الإدراك، أن رهانات هذا النموذج التنموي، لايمكن قطعا، أن تتحقق على أرض الواقع، إلا بمنظومة تعليمية متقدمة تقود المغرب بثبات نحو المستقبل، وكما نجح السيد الوزير، في هندسة خريطة النموذج التنموي، نأمل أن ينجح في تمكين نساء ورجال التعليم، من نظام أساسي جديد تحضر بين مواده، مفردات “الاحترام” و”التقدير” و”الاعتراف” و”التحفيز” و”الكرامة” و”الاعتبار”، وتكرس مقتضياته الإحساس الفردي والجماعي، بحب الانتماء لمهنة نبيلة، بدونها لا تستقيم مواطنة ولا قيم ولا أخلاق ولا دين ونماء ولا بناء.
النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، تتحمل من جهتها، مسؤولية تاريخية أمام الشغيلة التعليمية في هذا الظرف الخاص والاستثنائي، وهي مطالبة أكثر من أي وقت مضى، التحلي بما تقتضيه المرحلة، من مسؤولية ويقظة وحزم وتعبئة وتوحيد للصفوف، بعيدا عن الأنانية ونعرات التفرقة والتشتت، حتى يكون النظام الأساسي المرتقب، ضامنا لحقوق الشغيلة التعليمية، ومعبرا عن آمالها وتطلعاتها وانتظاراتها، بعد سنوات عجاف من البؤس والغبن والتهميش، في ظل أنظمة أساسية متجاوزة، لم تكرس إلا مهنة مرادفة للفقر والضعف والتواضع والهوان، وسواء تعلق الأمر بالوزارة الوصية على القطاع التي تسارع الزمن للإفراج عن النظام الأساسي الجديد قبل متم السنة الجارية، في أفق الشروع في تنفيذه بدءا من الموسم الدراسي القادم، أو بالنقابات التي ترافع دفاعا عن حقوق وانتظارات وتطلعات الشغيلة التعليمية، فما هو ثابت، أن النظام الأساسي المنتظر، لابد أن تترتب عنه آثارا مادية تطال الأجور الهزيلة والتعويضات شبه المنعدمة، بشكل يعيد للمهنة قيمتها واعتبارها وجاذبيتها، بين الوظائف والمهن، بعيدا عن هواجس “الربح” و”الخسارة” و”الحسابات الموازناتية” الضيقة.
الشغيلة التعليمية بكل فئاتها وانتماءاتها، تتطلع إلى “نظام أساسي” تتقاطع فيه شوارع “الوحدة” و”العدالة” و”الإنصاف” و”التحفيز” و”تكافؤ الفرص” و”التقدير” و”الاعتراف” و”الاعتبار”، يفتح أمامها أفقا للترقي والإبداع والابتكار، كما تتطلع إلى بيئات مدرسية/مهنية تتوفر فيها شروط “الكرامة” و”الجذب” و”الأنسنة” و”التقدير”، وإلى فصول دراسية تقطع بشكل لارجعة فيه مع “جائحة الاكتظاظ” التي باتت لا تطاق، وقبل هذا وذاك، إلى مناهج حديثة تواكب المتغيرات والسياقات الوطنية والإقليمية والدولية، وبرامج تقطع مع “الكم” المكرس للضعف والرتابة والغش الذي استفحل في السنوات الأخيرة، وإلى حياة مدرسية داعمة للقيم الوطنية والدينية والاجتماعية والإنسانية، ومكرسة لثقافة التواصل والانفتاح والإشعاع والسلام والمحبة والعيش المشترك، حينها يمكن المضي قدما في اتجاه كسب رهانات “مدرسة ذات جودة للجميع”. وإذ ندلي، بهذه المعطيات، لايسعنا إلا التقدم للشغيلة التعليمية المغربية، بعبارات التهاني والأماني والشكر والامتنان، بمناسبة اليوم العالمي للمدرس، متمنيين لها دوام الصحة والعافية وبالمزيد من الرقي والازدهار، مثمنين ما تضطلع به من أدوار متعددة الزوايا، أحيانا في غياب أدنى شروط التحفيز، من أجل بناء الإنسان/المواطن. عسى أن تكون الوزارة الوصية والحكومة الاجتماعية برمتها والنقابات، في مستوى اللحظة، لأن ضريبة الجهل أثقل وأخطر على البلاد والعباد …