[success]المواطن 24 [/success]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه.
السيد الرئيس الأول؛ السادة رؤساء الغرف؛ حضرات السيدات والسادة؛ يأتي افتتاح السنة القضائية هذا العام في ظل ظرفية صحية صعبة فرضتها إكراهات جائحة كوفيد 19. وهو ما يجعل تواصلنا مع المحيط متوقفاً على إجراءات الحماية والتباعد، ويقتضي من محكمة النقض لأول مرة في تاريخها مُخَاطَبَةَ المسؤولين القضائيين في جلسةٍ رسمية، عن طريق المناظرة المرئية عن بعد. ولئن كانت الجائحة قد حرمتنا من التواصل المباشر بالعديد من الشخصيات، والكثير من زملائنا القضاة، في مناسبةٍ ذات رمزية كبرى مثل هذه، فإنكم حضرات السيدات والسادة الذين شرفتمونا بحضوركم في هذه القاعة، وكذلك الذين تتابعون هذه الجلسة الرسمية عن بعد، تعطون بِهذا الحضور وهذه المتابعة رسالة قوية لدعم استقلال القضاء وتقدير جهود الفعاليات المنتمية لمنظومة العدالة. ولذلك فإنني باسمي وباسم كافة قضاة النيابة العامة، أعرب لكم عن جزيل الشكر وعميق الامتنان وصادق المودة والتقدير. وأرحب بكم وأشد على أيديكم بحرارة. داعياً الله أن يرفع عن عباده هذا الوباء لننعم بلقياكم من جديد في ظروف اعتدنَاها فيما مضى من الأيام. السيد الرئيس الأول والسادة رؤساء الغرف؛ حضرات السيدات والسادة؛ لئن كانت السنة المنصرمة قد أدت إلى تأثر مختلف دول العالم سلبياً، ومن بينها بلادنا، فإن الجائحة قد أبانت مرة أخرى عن انفراد النموذج المغربي في مختلف تجلياته الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والأخلاقية، بريادة جلالة الملك المنصور بالله، الذي وقف في المقدمة كعادة جلالته في مواجهة الأزمات والأحداث الكبرى. ومكنت سياسته الرشيدة وتعليماته الحكيمة من توجيه السلطات العمومية إلى تبني حلول رائدة، واتخاذ إجراءات فعالة. مما مكن بلادنا من اجتياز فترات الطفرة التي عرفها العالم، بأقل الخسائر. كما أن الشعب المغربي تفاعل بكل تلقائية مع المبادرات الملكية، وأبان عن وعي جماعي نادر، سواء في احترام الإجراءات الحاجزية والتفاعل الإيجابي مع مقررات السلطات المختصة، أو من خلال المساهمة في الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كرونا، الذي أمر جلالة الملك بإنشائه. أو من خلال المبادرات الجمعوية لمساعدة الفئات الهشة والأشخاص المحتاجين، والتي تمت بشكل حضاري أنيق، وصل لحد تسليم المساعدات للمحتاجين في إقاماتهم في انضباط للقانون وتكثم توصي به التعاليم الإسلامية السمحة والأخلاق المغربية المتوارثة. كما أن الجائحة لم تحل دون نجاح الديبلوماسية الملكية على صعيد توطيد وحدتنا الترابية، والحصول على دعم دولي لقضيتنا الوطنية الأولى. كما تجلى ذلك من خلال الاعتراف بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية من طرف عدة دول وفتح قنصليات أجنبية بالعيون والداخلة. وهي مناسبة أخرى تدعونا لتقديم الشكر والامتنان لجلالة الملك، الذي يقود بلادنا بحكمة واتزان ووثوق وحزم. مما يجعلها مضرباً للمثل في عدة مبادرات. وهي أيضا فرصة للتأكيد على وقوفنا وراء جلالته في كل المبادرات التي يتخذها أو يأمر بها. السيد الرئيس الأول والسادة رؤساء الغرف؛ حضرات السيدات والسادة؛ لقد شكلت جائحة كوفيد سارس 19 امتحاناً صعباً لمؤسسات العدالة في بلادنا على غرار الكثير من القطاعات الأخرى التي تأثرت بها سلبياً بالمغرب وبأغلب دول العالم. ولذلك فإن سنة 2020 كادت تكون سنة بيضاء بالنسبة للمحاكم، التي اضطرت في فترة الحجر الصحي إلى توقيف أغلب أنشطتها حماية للمتقاضين ولمهنيي العدالة. حيث اقتضت التدابير الوقائية التزام البيوت خلال فترة الحجر الصحي منذ أواخر شهر مارس إلى غاية شهر يوليوز، بشكل شبه كلي. وهو ما استدعى اللجوء إلى وسائل استثنائية لتصريف القضايا الضرورية. ولاسيما عقد جلسات المعتقلين عن طريق المناظرة المرئية عن بُعْد. وهي مناسبة لأن أتوجه باسم النيابة العامة إلى السيد وزير العدل بالشكر والامتنان على سرعة الاستجابة، ودقة التنفيذ. مما مكن قاعات المحاكم من التوفر على التجهيزات المناسبة في بضعة أسابيع. مع الاستمرار في تحسين جودتها لضمان شروط المحاكمة العادلة، التي تتيح الوجاهية والحضورية بين الأطراف المتواجدة في قاعة الجلسات بالمحكمة وفرعها الموجود بالمؤسسة السجنية. كما أشكر السيد المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج الذي عمل على توفير وتجهيز القاعات والمساعدة في الأمور التقنية والمادية الضرورية لعقد الجلسات عن بعد. وهو ما مكن المحاكم أن تبت ما بين تاريخ 27 أبريل 2020 تاريخ أول جلسة عن بعد، ومتم السنة في ما مجموعه 88.079 قضية تهم معتقلين، مثلوا أمام المحكمة عن بعد حوالي 267.200 مرة. قد تم الإفراج على حوالي 8.000 معتقلا مباشرة بعد الجلسات )7.785( لأسباب مختلفة؛ كانوا سيظلون رهن الاعتقال لو لم تعقد جلساتهم بهذه الطريقة. والجدير بالذكر أن هذه المحاكمات التي تتم بموافقة من الأطراف ودفاعهم، تحترم كل شروط المحاكمة العادلة المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ولاسيما الحضورية والوجاهية بين الأطراف. والشكر بهذا الصدد، موصول كذلك للقضاة الذين أداروا تلك الجلسات بحنكة واقتدار. ولأعضاء الدفاع الذين شاركوا في مناقشة القضايا بكثير من المهنية والدقة. وهو ما سمح بتوقف نسبة المعتقلين الاحتياطيين على نسبة 45% من مجموع الساكنة السجنية. ورغم ارتفاع هذه النسبة مقارنة بنسبة 39% المحققة سنة 2019، وتجَاوُزِها بكثير للأهداف المرجوة في ميثاق النجاعة الرامي إلى تحقيق نسبة 35%. إلاّ أنه يجب ألاَّ يغرب عن الذهن أنه لو لا استعمال تقنية المحاكمة عن بعد، لما تمكنت المحاكم من البت في قضايا أكثر من مائة ألف معتقل بسبب استحالة نقلهم إلى المحاكم امتثالاً لتدابير الوقاية والحماية التي قررتها السلطات العمومية، حفاظاً على الصحة العامة لعموم الأشخاص في الوطن، ومن بينهم الأشخاص المعتقلون. ومن جهة أخرى، فإن رئاسة النيابة العامة، قد عملت منذ الأيام الأولى