[success]عبد الرحمان مسحت-المواطن 24[/success]
ماذا يعني الحجر الصحي للكاتب والفنان ؟ وكيف ينظر إلى هذا الوباء اللعين
الذي قض مضجع العالم ؟ وماذا يمكن أن ينتجه، من فكر وإبداع، للإنسان في
ظل هذه الظروف العصيبة، لأن الكاتب، هو منتج في كل الظروف والأزمات،
وسلطة القلم فوق كل سلطة …
يمكن أن نستحضر هنا، أعمالا روائية خالدة، استلهم فيها الكتاب أحداثها من
وقائع تاريخية لأوبئة أو حروب، مثل رواية الحب في زمن الكوليرا لعبقري
الرواية العالمية، كارسيا ماركيز، والطاعون لألبير كامي، فالكاتب ليس
بمعزل عن أحداث عصره، لذلك فهو في قلب العاصفة دائما..
في هذه الحوارات القصيرة، نقترب من عوالم الكاتب، وهو يخط كتاباته للتاريخ
وللإنسان،
مع الروائي والقاص عبدالهادي الفحيلي
سأنطلق من مبدإأراه جوهر الكتابة: إنها تنتمي إلى مملكة الصمت؛ رأى إميل سيوران ذلك.
إنها الصمت الخلاق الذي لا يعني التوقف عن الكلام، بل يعني خلق المختلف والمغاير لما
يروج. إنها ضد الثرثرة وإلا ما كان لها جدوى.
ماذا يعني أن نكتب في زمن كورونا؟ يعني بكل بساطة أن نقف في صف الحياة. أن نكون
قادرين أن نتعالى على الوباء المتخفي والمدمر في آن. هنا يطرح السؤال المؤرق: هل نحن
قادرون على التعالي عما يجري؟
أن تكتب وكورونا تشهر سلاحها في وجهك، فذلك يقتضي أن تكون مسلحا برغبة وذهن
صاف لا يستطيع الوباء أن ينال منهما. يرى بارث أن الكتابة هي مجال الاختيار، فتكون
وفقا لذلك وعيا ورهانا وتضامنا. الكاتب كائن بسيط مثل الآخرين إذ تداهمه النائبات؛ يخاف
مثل خوفهم، ويبحث عن السلامة مثلهم، ويحاول أن يؤمن بعضا من حياته مثلما يحاولون.
يمتاز عنهم، فحسب، في رؤيته للأمور وفي تفاعله مع الأشياء من حوله، وفي قدرته على
تحويل ذلك إلى كلمات ونصوص.
شخصيا لا أعتقد أن الكاتب الحقيقي يكتب عن أي شيء وما ينبغي له. الكاتب يأخذ تلك
المسافة الزمنية والذهنية كي يخلق نصا جميلا. الكتابة نوع من خلق المعرفة، والمعرفة
تستوجب النظر الثاقب المرتكز على المسافة. قد نرى نصوصا بعد انحسار الجائحة ومن
ثمة قد نجد الوقت الكافي لتمحيصها وتصنيفها حسب درجة العمق والجدة والجودة. لكن
الكتابة في زمن الحجر الصحي –أعتقد- قد لا تخرج عن إطار الانطباع والتنفيس من باب
اغتنام الوقت الفائض عن الحاجة. وأعتقد أن جل الكتاب الآن غارقون في القراءة المكثفة
إن وجدوا إلى ذلك سبيلا من صفاء الذهن، والقبض على لحظات طويلة من التأمل.
فالكتابة تتغيا خلق عوالم بديلة عبر التخييل، وإنما تتخلق النصوص الجيدة من هذه القدرة
العجيبة التي يمتاز بها الكاتب. قد يستوحي عوالمه مما يجري الآن، لكني أظن أنه ينبغي أن
يلتزم بمسافة الأمان الكافية كي يبدع نصا أو نصوصا جميلة تدخل في سياق الأدب والفن،
وإلا كانت ثرثرة محضا.