المواطن 24 – متابعة
في إطار المتابعة الإعلامية لتعيينات المجالس العلمية، سنقف اليوم على ظهير تعيينات بعض رؤساء المجالس العلمية، وأعضاء بالمجلس العلمي الأعلى، بعد أن وقفنا في السابق على ظهير تعيينات أعضاء بمجالس علمية محلية؛ وذلك بغية الإحاطة بجانب من بنية ترسيم التفريخ الأصولي في الحقل الديني، والتي تندرج في مستويات أخرى، ضمن مساعي الهيمنة الأصولية المطلقة وبعيون دولة الخلافة، على صعيد التعيينات والخطاب والصلاحيات.
لقد نشرت الجريدة الرسمية في 24/12/2020، ظهيرا مؤرخا بتاريخ 16/12/2020 في شأن “تعيين رؤساء مجالس علمية محلية وأعضاء بالمجلس العلمي الأعلى”. والملاحظ أن هذه التعيينات التي تمت في 22 أكتوبر2020، تأخر صدور ظهيرها .كما تأخر هذا الصدور، عن صدور ظهير أعضاء بمجالس محلية، بالرغم من كون تعييناتها كانت سابقة على تعيينات أعضاء بمجالس محلية. وهذا يعبر عن أوجه المشاكل التي تصاحب كل مراحل تدبير الحقل الديني. والملاحظ أيضا، أن سي مبارك العلمي الذي توفي في 3 نوفمبر 2020، ورد اسمه في ظهير تعيينه بالمجلس العلمي الأعلى. ففي تزكية هذا التعيين بظهير بعد أزيد من شهر على الوفاة، بدون أن يتم إشعار جهة الاختصاص بذلك في إبانه، يبين جانبا من تدبير وزارة الأوقاف للحقل الديني.. وهو ما يضع الوزير التوفيق في موقف لا يحسد عليه. فهو رغم الحظوة التي خرق بها كل الحجب، بحيث لم يعد بينه وبين صاحب الأمر حجاب، بعد الأستاذ سي عباس الجراري، قد فشل في معالجة وفاة اسم في الوقت المناسب، فكيف أن يعالج فشل العديد من الاختيارات؟ ولا شك أن في هذا حرجا كبيرا لمقام صاحب الأمر.
لقد شمل ظهير هذه التعيينات، 16 رئيسا بالمجالس العلمية المحلية، و22 عضوا بالمجلس العلمي الأعلى. وكان المختبر الإعلامي لوزارة الأوقاف، قد قام بالتجيير المطلوب في نفس يوم هذه التعيينات، في سياق مهمة التدليس على المتتبعين، وعلى صاحب الأمر بالأساس. لتتواصل هذه المهمة مع صدور ظهير هذه التعيينات، حيث تم اعتبار هذه التعيينات، مع زعم وجود التيار الصوفي والمستقلين فيها، متحررة من سيطرة الحركة الأصولية. وهذا أمر في حاجة إلى تدقيق. فهناك بودشيشي واحد على مستوى رؤساء المجالس العلمية، وآخر تيجاني على مستوى المجلس العلمي الأعلى؛ علما أن الأعضاء الذين تم تعيينهم بالمجلس العلمي الأعلى كانوا رؤساء لمجالس علمية محلية، وفيهم أصوليون، كعبد الرزاق الوزكيتي، وعبد السلام فيغو.. وإذا قسنا الكفاءة، ففيهم من يلحن حتى في “الدارجة”، فأحرى في فنون معرفية أخرى. فنحن أمام تموضع جديد للأصولية في الحقل الديني، مع ردم بعض مناطق الضوء كما حصل في تطوان، مع البقاء على رؤوس القلاع المعروفة للأصولية، كما هو الحال في القنيطرة، ووجدة، وأكادير، والعرائش، والمضيق، وبني ملال، وابن مسيك، والحي الحسني.. وإذا أضفنا إلى هذا ما حصل من ردة في طنجة.. فإن الصورة العامة للمشهد لا تبعث على الارتياح إطلاقا. وهنا لابد، وبرؤية تركيبية، من البيان التالي:
1– إن صاحب الأمر بمسؤولية يقينه الديني العميق، أنفق بسخاء على الحقل الديني. ومنح ما يكفي من الوقت للوفاء بالمتعين. لكن النتيجة تظل مع ذلك خارج المقاصد المولوية. ويمكن اختزال واقع الحال، في هذه الازدواجية، من خلال مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين، حيث لا يجد المحالون على العجز، ما يسدون به حاجتهم، في حين أن الاعتمادات المرصودة للتأطير الأصولي لأبناء القيمين الدينيين في المخيمات الصيفية متوفرة. ويمكن فتح نوافذ أخرى من هذا القبيل في مستويات أخرى. بمعنى أن ما يوفره صاحب الأمر بسخاء، إنما يذهب لإنجاز الانقلاب الأصولي على مرجعية إمارة أمير المؤمنين. فمن سينتصر لأعمال العقلاء التي ينبغي أن تنزه عن العبث؟
2– هناك تقاليد في هذا البلد الأمين، تخص المجال المحفوظ لصاحب الأمر بكل الوقار اللازم. لكن المنتصبين لتدبير هذا المجال، يستغلون هذا الاحترام، لتكريس الاستبداد، وما يترتب عنه من انحراف وفساد في التوجه العام. كما أن هناك جهات رسمية منخدعة بـ “الولاء السياسي”، الذي تبديه الأصولية تقية للدولة، فتعتبر ذلك فتحا، فتمكن لها في مراكز القرار الديني، مما ييسر لها الهدم المنهجي المريح للمعمار المذهبي للأمة، بإمكانات الدولة وحصانتها القانونية. وهذا على حساب “الولاء المذهبي” للأمة في المغرب. ومخاطر هذا التوجه، مع إضعاف الأصوات المستنيرة، والقوى الديموقراطية، تبقى معروفة للجميع.
3– سبق أن قرأت في موقع “أنفاس بريس”، لأحد الكتاب، أن “صاحب الأمر، ليس له من الأمر شيء، فأمير المؤمنين على الحقيقة، هو الأصولية”. وهو ما كان يفرض على وزير الأوقاف -المسؤول السياسي عن مرحلة تقارب العقدين من الزمن- أن يطمئن كل المتخوفين من غموض سياسته، لكنه آثر السلامة من مطبات النقاش العمومي، بمزيد خرق السفينة، فزادت الشكوك في عمله، خصوصا وأنه يفتقر من خلال محيطه التكنو-أصولي، إلى فقه التنزيل المطابق لتوجيهات صاحب الأمر.
4– وكما يعلم من له ارتباط بتاريخ البلاد، أن الشاذلية هي التي دشنت دورة الدولة الشريفة على عهد السعديين والعلويين. وبهذا البعد الروحي جسدت استمرار استقلالها عن المشرق. وهذا الوعي بضرورة بناء الدولة الشريفة، تجند له القطب الرباني سيدي عبد الله الغزواني، بكل عنفوان، كما هو معروف.ة فالهوية المذهبية للدولة واضحة. وهنا تغرينا المقارنة بين أول رئيس لحكومة يسارية، الشاذلي المشرب، الأستاذ مولاي عبد الله إبراهيم، وبين رؤساء “الحكومة الملتحية”، الأستاذين بنكيران والعثماني، المهووسين بابن تيمية، رغم الرفض التاريخي للمغاربة له. وهذا ما يمثل فضيحة لمن يشغل موقع الرجل الثاني في دولة عريقة مسكونة بالرمز. ومع هذا الإضعاف الرسمي للمكون الصوفي في دواليب الحقل الديني. فلنا الثقة في التقاط حواس الدولة، لمعاني تعزيز مناعة الدولة في مواجهة مخططات الانقلاب الأصولي عليها.