المواطن24
يسلك المغرب، منذ سنوات عديدة ، مسارا ديبلوماسيا مبنيا على التراكم في المنجزات ذات الصلة بقضاياه االوطنية الحيوية. وقد اكسبه احتكاكه بجملة من الملفات الشائكة و القضايا الحساسة على المستويات الإقليمية و الجهوية والقارية، تجربة و معرفة معمقة بالإشكالات و بالرهانات الجديدة و المستجدة على مسرح السياسة الدولية في زمن العولمة.
هذا المسار الديبلوماسي الذي يكسب للمملكة إشعاعا دوليا ملحوظا و حضورا لافتا بين الأمم في المحافل العالمية، لم يأت صدفة و لا هو يدخل في باب توزيع الأدوار بالوكالة، و إنما تحقق نتيجة عمل دؤوب و مجهودات جبارة في التفكير و التدبير للشأن الديبلوماسي ،و التي تروم تكييف سياسات الدولة الخارجية وفق الأولويات القصوى للمملكة في زمن التحولات الكبرى و الانهيارات المدوية للباراديغمات القديمة في العلاقات الدولية. ذلك أن المغرب، و فضلا عن استيعابه الجيد للقواعد الجديدة للسياسة الدولية، فقد أصبح يتمتع بنظرة ثاقبة لاستراتيجيات الاشتغال و الاختراق الدبلوماسي الاستباقي.
المغرب اليوم، يوجد في مرحلة إعادة بناء مزدوج لعقيدته الديبلوماسية و لأمنه القومي الشامل: الأولى، قوامها التوازن في المواقف و تنويع الشركاء مع الحفاظ على هامش مهم من القرار السيادي المستقل كما تمليه المصالح الوطنية.
اما الثاني فهو مرتبط بشكل وثيق بالقيام بكل ما من شأنه الحفاظ على وحدة الوطن و التراب. و هذا لم يكن ليتأتى و يتحقق لولا وجود قدر مهم من الاستقرار الداخلي، سواء السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، مما يعزز الوحدة الوطنية و التضامن الداخلي، و هما معا ضروريان لمجابهة التحديات الخارجية. و لسنا هنا بصدد رسم صورة وردية عن أحوال البلاد، فالطريق أمامنا طويل و شائك.
و بنفس الشجاعة التي دشن بها المغرب مسار الإنصاف و المصالحة، و الاستراتيجيات التنموية الكبرى، بنفس الجرأة التي أعلن فيها عن فشل نموذجه التنموي في تحقيق حلم الدولة الصاعدة. من هنا جاءت الدعوة الى التفكير الجدي و المسؤول في ابداع نموذج تنموي منتج و قادر على تحقيق ما يستحقه المغاربة من رفاه اجتماعي و كرامة إنسانية، تليق بما تزخر به بلادنا من امكانيات هائلة على جميع المستويات. إن النجاحات الديبلوماسية، لا يمكن إلا أن تكون محمولة على نجاحات سياسية داخلية .
و المغرب ، بلا شك، قطع أشواطا مهمة على درب مساره التنموي، لكن يبقى العائق الأكبر الذي يقف في وجه تنفيذ الدستور والقرارات الهامة في البلاد، هي الحكامة السيئة لجزء كبير من النخب السياسية و الاقتصادية التي تتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام. هذه الأخيرة ، عليها ، إما ان تتحمل مسؤولياتها اتجاه وطنها، وإما أن تتنحى جانبا و تفسح المجال للنخب الجديدة.