المواطن24-متابعة
إذا كانت أحكام ومقتضيات القانون رقم 69.99 المتعلق بالأرشيف (30 نونبر 2007)، ومرسومه التطبيقي، تطال “الأرشيف العامة” المتمثلة في جميع الوثائق التي تكونها في إطار مزاولة مهامها “الدولة” و”الجماعات المحلية” و”المؤسسات والمنشآت العامة” و”الهيئات الخاصة المكلفة بإدارة مرفق من المرافق العامة فيما يتعلق بالأرشيف الناتجة عن نشاط هذا المرفق”، فإن هذه الأحكام والمقتضيات تسري أيضا، على “الأصول” و”الفهارس” التي يكونها الموثقون والعدول، وسجلات الحالة المدنية وسجلات مصلحة التسجيل”، وتوسيع نطاق “الأرشيف العامة”، ليستوعب ما يكون وينتج داخل مكاتب التوثيق والعدالة من أصول وفهارس، قد يثير حالة من اللبس والغموض والإبهام في أذهان البعض، وقد يدفع البعض الآخر إلى التساؤل عن الدافع أو الدوافع التي جعلت المشرع الأرشيفي، يدرج هذا الأرشيف التوثيقي النوعي، ضمن قائمة “الأرشيف العامة”، رغم أن مهنتي “التوثيق” و”خطة العدالة”، تدخلان في دائرة “المهن الحرة” حسب مقتضى المادة الأولى من القانون رقم 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق، والقانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة.
وحتى لا نهدر الزمن أو نستنزف الطاقة في البحث عن الجواب، نرى حسب تقديرنا، أن الارتقاء بما يكونه الموثقون والعدول من أصول وفهارس، إلى مستوى “الأرشيف العامة”، يعزى إلى اعتبارين اثنين، أولهما: القيمة الاعتبارية، لما يكونه هؤلاء، من ممارسات قانونية، تتقاطع في “توثيق الحقوق والمعاملات” و”تحضير وسائل الإثبات، التي يمكن أن يستند عليها القضاء في فض النزاعات والفصل في الخصومات”، و”الإسهام في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعقارية”، و”تعزيز الأمن القانوني التعاقدي”…، وثانيها: ما تحمله هذه الممارسات القانونية، من معطيات ذات طابع شخصي، لايمكن البتة الاطلاع عليها أو إتاحتها للعموم، إلا في إطار ما ينص عليه القانون.
وفي هذا الاطار نشير إلى ما ورد في المادة 17 من القانون المنظم للأرشيف، التي رفعت أجل الثلاثين سنة الذي يمكن عند انتهائه، الاطلاع بحرية على الأرشيف العامة، إلى 100 سنة “ابتداء من تاريخ ولادة المعني فيما يتعلق بالوثائق المشتملة على معلومات فردية ذات طابع طبي، وبملفات المستخدمين”، و”فيما يتعلق بالأصول والفهارس لدى الموثقين والعدول وسجلات الحالة المدنية وسجلات مصلحة التسجيل”، ورفع سقف الاطلاع إلى عتبة “100 سنة”، معناه أن المشرع الأرشيفي انتصر إلى “الحياة الخاصة”، في مقاربته لما يكون داخل مكاتب الموثقين والعدول من أصول وفهارس.
ومهما استرسلنا في بسط الدوافع والاعتبارات المبررة لإدراج أرشيفات الموثقين والعدول (الأصول والفهارس) ضمن قائمة “الأرشيف العامة”، فما هو ثابت، أن هذه الأرشيفات تسري عليها مقتضيات وأحكام القانون المنظم للأرشيف ومرسومه التطبيقي، على غرار الوثائق الأرشيفية التي تكونها الدولة بكل مستوياتها وامتداداتها، وعلى هذا الأساس فإن الموثقين والعدول، مطالبون بالتقيد بالقانون الأرشيفي ومرسومه التطبيقي، فيما يتعلق بحفظ الأرشيف، وإعداد برامج لتدبيره، والالتزام في ذات الآن، بما ورد على التوالي، في القانون المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق، والقانون المتعلق بخطة العدالة، من أحكام ومقتضيات ذات صلة بحفظ ما يكون من أصول وفهارس، وفي هذا الصدد، نشير إلى ما ورد في المادة 50 من قانون التوثيق، التي أوجبت على الموثق، حفظ تحت مسؤوليته، أصول العقود والوثائق الملحقة وصور الوثائق التي تثبت هوية الأطراف، وما ورد في المادة 51، التي أوجبت على الموثق، مسك سجلا للتحصين، يضمن فيه البيانات الموجزة التي يتلقاها حسب الأرقام التسلسلية، إضافة إلى سجل الوصايا، دون إغفال ما يمسكه العدول من سجلات.
في هذا الصدد، وبعد استيفاء بناء صرح المنظومة القانونية والمؤسساتية الأرشيفية الوطنية، يحق التساؤل عن واقع حال الممارسة الأرشيفية داخل مكاتب الموثقين والعدول، وعن مدى تقيد مهن حرة من هذا القبيل بأحكام ومقتضيات القانون المنظم للأرشيف ومرسومه التطبيقي، بل ومدى وعي هؤلاء المهنيين، بأن ما يكونون من أصول وفهارس، يسري عليه ما يسري على الأرشيف العامة من أحكام ومقتضيات، ومدى تواصلهم وانفتاحهم على “أرشيف المغرب”، باعتبارها المعنية بتدبير شأن الأرشيف العمومي…، ومن الصعب تقديم أجوبة صائبة بخصوص هذه التساؤلات وغيرها، في غياب عناصر الإجابة، لكن بالمقابل، نتوقع أن تحضر صور الارتباك بدرجات ومستويات مختلفة في تدبير هذا النوع من الأرشيف التوثيقي، لاعتبارات عدة، منها غياب ثقافة الأرشيف بمختلف إدارات الدولة وبالمجتمع ككل، وما يعتري الممارسة الأرشيفية في الكثير من المرافق العمومية من مشاهد العشوائية، و”خصوصية” مهن التوثيق والعدالة كمهن حرة منغلقة على الذات، علاقاتها لا تتجاوز في مجملها حدود الزبناء، وما تقتضيه هذه المهن من إجراءات إدارية، على مستوى بعض المرافق العامة من قبيل إدارة الضرائب والمحافظة العقارية والمحاكم، فضلا عن محدودية العلاقات إن لم نقل انعدامها بالمرة، بين الهيئات الممثلة لهذه المهن الحرة و”أرشيف المغرب”.
ومهما قيل أو ما يمكن أن يقال بشأن الممارسة الأرشيفية في أوساط الموثقين والعدول، فالقصد الذي تحكم في كتابة هذا المقال، هو توجيه البوصلة كاملة نحو هذا الأرشيف النوعي “الصامت” داخل مكاتب الموثقين والعدول، باعتباره يدخل في دائرة “الأرشيف العامة” حسب مقتضى المادة 3 من القانون المنظم للأرشيف، وهي مناسبة لدعوة “أرشيف المغرب” إلى وضع هذا الأرشيف النوعي ضمن دائرة اهتماماتها بالنظر إلى قيمته القانونية والحقوقية والقضائية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتاريخية والتراثية، ودعوة مماثلة للموثقين، ممثلين في “الهيئة الوطنية للموثقين”، والعدول ممثلين في “الهيئة الوطنية للعدول”، لإيلاء ما يكونون من أرشيف (أصول وفهارس)، ما يستحقه من عناية واهتمام، على مستوى التنظيم والحفظ، لقيمته المتعددة المستويات، ولضمان حقوق ومصالح أصحاب العقود، الذين يحتفظون بحقهم في المطالبة بنسخ من عقودهم مهما طال الزمن، والمضي قدما في اتجاه مد جســور التواصل مع “أرشيف المغرب” الحاضنة للأرشيف العمومي، لخلق فضاء للتشاور والتعاون والتشارك، بما يضمن الارتقاء بمستوى واقع الممارسة الأرشيفية على صعيد مكاتب الموثقين والعدول على المستوى الوطني، حرصا على تراث أرشيفي توثيقي يعد جزءا لايتجزأ من التراث الأرشيفي الوطني، على أمل أن يجد المقال، الصدى المنشود والتفاعل المطلوب من جانب الموثقين والعدول والهيئات المهنية المنظمة لهم، أما “أرشيف المغرب”، فأحضانها مفتوحة وإياديها ممدودة كما عهدناها، لكل خطوة أو مبادرة “مواطنة” من شأنها خدمة التراث الأرشيفي الوطني بكل مستوياته وتمظهراته .