كتبت:فاطمة أحمد الشدادي
تستعد مدينة تطوان المُبدعة مدينة ابو الفنون المسرح الدورة 23 للمهرجان الوطني للمسرح، والتي ستنظم تحت رعاية صاحب الجلالة الملك محمد السادس. فإن المغاربة لم يعرفوا المسرح المُعاصر في شكله الحديث قبل الحماية الفرنسية/الإسبانية أي بعد سنة 1912، وأن المستعمر هو الذي حمله إليهم من ضمن ما حمله من فُرجات، ولقد ذكر الكاتب والباحث الإسباني Antonio Ramos في كتابه الموسوم ب Perlas Negras (الجواهر السوداء) الصادر في جزأين سنة 1903 بمدينة سبتة، أي قبل دخول الاستعمار الإسباني شمال المغرب في شكل حماية بحوالي عقد من الزمن، وهو عبارة عن مذكرات شخصية لامست بالأساس الدور الاستكشافي التجسسي المخابراتي الذي تم اختياره له وأداه باقتدار عن طريق المسرح والتبشير.
يذكر راموس في الجزء الأول من مذكراته أنه في إطار مهمته تلك، اهتدى إلى تأسيس فرقة مسرحية من شقين أو مجموعتين، أو لنقل اهتدى إلى تكوين فرقتين الأولى بمدينة سبتة المحتلة قوامها شباب إسباني مسيحي، والمجموعة أو الفرقة الثانية مكونة من شباب مغربي مسلم مقرها مدشر “البيوت” من قبيلة أنجرة
. ويذكر أيضا أن المسرحيات التي تعرضها فرقة سبتة وهي الموجهة بالأساس لجمهور إسباني مسيحي متعصب كانت من حيث المضامين لا تخرج عن تذكير المشاهدين الإسبان، بل دعوتهم إلى الالتزام والتشبث بروح مضامين وصية الملكة، إيسابيل الأولى “بضرورة غزو إفريقيا ورفع الصليب فوق أراضيها“، أما العروض المقدمة في أنجرة والمعني بها جمهور مغربي متمسك بعقيدته الإسلامية فمحاورها الأساسية كانت تصب غالبا في اتجاه التشبث بقيم حسن الجوار، التسامح، تعايش الأديان، القبول بالآخر…
هذه أهم الإضاءات أو الإشارات التي وصلتنا عن أوليات هذا المسرح ببلادنا. مرحلة ما قبل الاستقلال زيارة فرقة محمد عز الدين (جوق النهضة العربية) لمدينة تطوان يعتبر (جوق النهضة العربية) المصري برئاسة المسرحي الكبير الشيخ محمد عز الدين المصري أول فرقة مسرحية عربية تزور المغرب وافدة إليه من تونس سنة 1923، وأثبت الباحثون أن الفرقة قامت بجولة مسرحية بربوع المملكة شملت كلا من طنجة والرباط وفاس ومراكش، وخلفت من ورائها أثرا كبيرا، إذ كانت من عوامل فتح أعين الشباب المغربي على مباهج وأسرار هذا الفن الجميل، وعلى تحفيزه للانخراط فيه، وللأسف أنه لم تتم الإشارة إطلاقا لزيارة الفرقة لمدينة تطوان، وعرضها بتاريخ السبت 21 ذي الحجة 1341 هـ – 4 غشت 1923 على خشبة مسرح الملكة فيكتوريا Reina Victoriaا“أهم رواية عربية تاريخية فكاهية تلحينية ألا وهي: الخليفة هارون الرشيد مع خليفة الصياد وما وقع بينهم مع قوت القلوب
“. لم يكن الشباب التطواني وقتها يجهل المسرح، فالعروض المسرحية الإسبانية كانت حاضرة بقوة وعلى عدة مستويات، غير أن الأثر الطيب الذي تركته الفرقة المصرية كان أكبر حافز لركوب المغامرة، فلم تكن إلا شهور معدودات لتشكل أول فرقة مسرحية من تلاميذ (المدرسة الأهلية الحسنية) بإشراف المرحوم امحمد بنونة الذي يعد الرائد الأول للحركة المسرحية بتطوان
. مشهدان من عرضين مسرحيين قدما بتاريخ 14 محرم 1344هـ موافق 3 غشت 1925 (أول عرض مسرحي تطواني) لقد كان ذلك بمثابة الحجر الأول لتتوالى بعده عمليات تكوين الفرق المسرحية: فرقة المعهد الحر، معهد مولاي المهدي، المدرسة الأهلية الحسنية، النجم الأخضر، الطالب المغربي، الفتيان، الهلال، القومية… وقد عملت الحركة الوطنية في شمال المغرب ممثلة في حزب الإصلاح الوطني أولا ثم حزب الوحدة المغربية على تبني واحتضان الفعل المسرحي مما أفرز حركة مسرحية متميزة تغذت بظهور كتابات مسرحية متنوعة وأفرزت مؤلفين مسرحيين.
وتُعد (انتصار الحق بالباطل) للمرحوم عبد الخالق الطريس، وهو في الوقت نفسه زعيم حزب الإصلاح الوطني، أول نص مسرحي مغربي طبع بالمغرب 1933 وإلى جانبه أسماء أخرى: الحاج امحمد بنونة، أحمد مدينة، محمد العربي الشاوش، عبد السلام الشاوش، الحسين أفيلال، المهدي الطود (من القصر الكبير)، أبو طاهر آل عزيز اليطفتي، محمد العربي الخطابي… والقائمة طويلة. ودفع هذا الاهتمام المرحوم أحمد مدينة خريج الدفعة الأولى من المعهد العالي لفن التمثيل العربي بمصر إلى إصدار (الأنوار) كأول مجلة فنية تعنى أساساً بالمسرح. هذا النشاط سيدفع إلى الاستثمار في البناية المسرحية، فإلى جانب قاعة المسرح الوطني (1914) شيد مسرح إسبانيول (1923) مسرح مونومنطال (1930) ومسرح الريف بشاطئ مرتيل (1944)، كما أنشئت قاعات مسرحية أخرى في المؤسسات التعليمية وفي باقي مدن الشمال.
وستمتد فعاليات هذه الدورة خلال الفترة بين 8 و15 من ديسمبر الجاري، بمدينة ابو الفنون تطوان حيث ستشهد مشاركة 12 عرضاً مسرحياً من مختلف ربوع المملكة المغربية. وسيتنافس المشاركون في المسابقة الرسمية للمهرجان على جوائز في مختلف الأصناف المسرحية، وهي التأليف والإخراج والسينوغرافيا والملابس والتشخيص إناث والتشخيص ذكور وجائزة الأمل والجائزة الكبرى. وإلى جانب المسابقة الرسمية، سيتضمن برنامج المهرجان أنشطة أخرى متنوعة، منها عروض مسرحية للأطفال، وعروض موسيقية وفنية، وورشات عمل وندوات ثقافية. وتعتبر الدورة 23 للمهرجان الوطني للمسرح بالمغرب فرصة للتعريف بالمسرح المغربي، ودعم الفرق المسرحية، وإثراء الساحة الثقافية المغربية.