سليم لواحي ـ
الدار البيضاء في ظل مخرجات الخطاب الملكي الأخير بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء، الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس يوم 6 نونبر 2024، أكد العاهل المغربي على أهمية الدور الذي يلعبه أبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج في تعزيز الروابط بين المغرب والعالم. وقد أشار جلالته إلى أن المغاربة المقيمين بالخارج ليسوا مجرد مهاجرين، بل هم جسر حيوي للتواصل والحوار بين المملكة وبقية العالم، وهو الدور الذي أضحى يشكل أحد أعمدة السياسة المغربية منذ عام 2005. وفي هذا السياق، أبدى العديد من الفاعلين المدنيين والسياسيين في صفوف الجالية المغربية بالخارج اهتمامًا بالغًا بمضامين الخطاب الملكي، مؤكدين أن هذه المبادرة تمثل تحولًا نوعيًا في طريقة تدبير شؤون الجالية.
هؤلاء الفاعلون دعا إلى إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بشؤون المغاربة المقيمين بالخارج، وهو ما يمكن أن يضمن تنسيقًا أفضل بين مختلف الفاعلين، وتفاعلًا أكثر فعالية مع متطلبات المغاربة المقيمين في دول المهجر. وفيما يتعلق بالمشاركة السياسية، شدد الموقعون على ضرورة تمكين مغاربة العالم من التمثيل السياسي الكامل. ودعوا إلى تعديل السياسات الحالية بما يسمح لهم بالمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية الوطنية، مع ضمان تمثيلهم العادل في المؤسسات التشريعية والإدارية.
وأكدوا أن هذا التمكين يجب أن يتم وفقًا لما ينص عليه الدستور المغربي الذي يضمن المساواة بين جميع المواطنين، سواء داخل الوطن أو خارجه، ويعزز المشاركة والمساواة في الحقوق. وأضاف الموقعون أن التحديات التي تواجه الجالية المغربية في الخارج تتطلب إعادة النظر في السياسات المعتمدة حاليًا، ومعالجة بعض الاختلالات التي شهدتها هذه السياسات في السابق. وأكدوا ضرورة محاربة الفساد والتجاوزات التي قد تشوب بعض الملفات الخاصة بالجالية، مشددين على ضرورة وجود ربط حقيقي للمسؤولية بالمحاسبة لضمان تكافؤ الفرص وشفافية تدبير الشأن العام. على صعيد آخر، دعا الموقعون إلى إشراك الفعاليات المدنية الحقيقية في بلورة القوانين التنظيمية الخاصة بالجالية المغربية. وطالبوا بأن يكون هذا التغيير شاملًا، بحيث لا يقتصر فقط على إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بالهجرة، بل يمتد ليشمل أيضًا تعزيز دور المجتمع المدني في تنفيذ السياسات العمومية وخلق أرضية تشاورية حقيقية تضم جميع مكونات الجالية المغربية في المهجر. وبينما يعتبر البعض أن تقوية تمثيلية الجالية في السياسة المغربية يعد خطوة مهمة، فإن الموقعين أضافوا أن ذلك لا يتحقق إلا من خلال شروط واضحة تضمن مصداقية التمثيل.
ولذا، اقترحوا أن تلتزم الجمعيات المشاركة في هذا التحول بشروط محددة، أبرزها أن تكون قد تأسست منذ خمس سنوات على الأقل، وأن تعمل وفق معايير الحكامة الجيدة، وتظهر نشاطًا ملموسًا في خدمة قضايا الجالية. كما شددوا على ضرورة ضمان التنوع الجغرافي والتمثيلية العادلة لكافة فئات الجالية من حيث الجنس والمنطقة. وفي هذا الصدد، دعا الموقعون إلى إنشاء آليات مبتكرة تضمن تمثيلًا عادلًا للجالية المغربية في الخارج.
وأشاروا إلى ضرورة تخصيص دوائر انتخابية خاصة بالمغاربة المقيمين في الخارج، أو اعتماد نظام تمثيل يعتمد على التقطيع القنصلي والتوزيع الجغرافي للجالية في مختلف الدول. كما أشاروا إلى أهمية ضمان الشفافية المالية في تدبير الجمعيات والهيئات المدنية، مع التأكيد على ضرورة وجود تقارير مالية مدققة تكشف مصادر التمويل وتوجهاته. وخلص الموقعون إلى أن تمكين مغاربة العالم من المشاركة السياسية ليس فقط مسألة حقوقية، بل هو ضرورة وطنية تهدف إلى تعزيز الانتماء والتلاحم بين مغاربة الداخل والخارج. فالمغاربة المقيمون في الخارج يشكلون جسرًا اقتصاديًا وثقافيًا مهمًا بين المغرب ودول الاستقبال، ويساهمون بشكل ملموس في ترويج صورة إيجابية للمملكة عبر نجاحاتهم في مجالات متعددة.
وعليه، فإن منحهم تمثيلًا حقيقيًا في المؤسسات السياسية المغربية، سواء عبر البرلمان أو الهيئات الاستشارية، يمثل خطوة مهمة نحو بناء مغرب قوي وموحد. وفي الختام، أكد الموقعون على ضرورة التركيز على إشراك منظمات المجتمع المدني في تمثيل الجالية، مما سيعزز من مصداقية وشرعية هذا التمثيل. فالحوار والتعاون بين كافة مكونات الجالية المغربية، بعيدًا عن التجاذبات السياسية الضيقة، سيساهم بشكل كبير في بلورة سياسات أكثر عدالة وتكافؤًا، ويساعد في تشكيل تعاقد جديد بين المغاربة المقيمين في الخارج وبلدهم الأم.



