بقلم: سناء كباسي مديرة الجريدة المواطن 24
لا يمكننا الحديث عن إنجازات الدكتور مصطفى التراب كما نكتب عن تقارير تقنية أو إنجازات رقمية في حدود عمود صحفي.
الحديث عن هذا الرجل، عن رؤيته، فلسفته، ومنهجيته في الإدارة والتحول، لا يكفيه مقال صحفي واحد، بل يلزمنا مؤلفات من فصول طويلة، تأخذ القارئ في رحلة بين مفاصل استراتيجية وقرارات بنيوية غيّرت وجه المكتب الشريف للفوسفاط (OCP)، وكتبت فصلاً جديداً في تاريخ الصناعات
الإفريقية. من MIT إلى قمة التحولات الاقتصادية الدكتور مصطفى التراب، خرّيج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، لا يُعتبر فقط مديراً تنفيذياً، بل هو عقل أكاديمي هندسي يُوظف علم بحوث العمليات وتخطيط النُظم من أجل استباق المستقبل، لا انتظاره.
من أول وهلة له في قيادة OCP، قرأ المؤسسة ككائن عضوي يحتاج إلى إعادة هندسة جذرية: من مجرد مُصدّر للفوسفاط الخام، إلى صانع لحلول غذائية متكاملة للأسواق العالمية. فكر استباقي: حين يصبح الأفق الإفريقي أولوية في حوار صحفي حصري ضمن سلسلة CEO DIALOGUE، يوضح التراب أن أهم ما يجب أن يُستثمر فيه هو “الفلاح الإفريقي”
. هذا التصريح ليس عاطفياً، بل مدروس بعناية. فقد ربط التراب بين السيادة الغذائية والسيادة السياسية، معتبرًا أن من واجب OCP، كمؤسسة وطنية ذات امتداد عالمي، أن تواكب المزارعين الأفارقة ليس فقط بالأسمدة، ولكن بالمعرفة، بالبيانات، وبالنماذج الزراعية الذكية. ليس فقط
صناعة… بل فلسفة التراب لا ينظر إلى الأسمدة كمنتوج نهائي، بل كأداة لتحقيق العدالة الزراعية. ولهذا دافع عن “التخصيب الذكي” المرتبط بتربة كل منطقة، مشدداً على أن العدالة تبدأ من باطن الأرض.
هذه الفلسفة تُرجمت على الأرض عبر عشرات المختبرات المحمولة، والزيارات الميدانية لمناطق نائية في إفريقيا، حيث لم تصل لا سياسات الحكومات ولا مساعدات المنظمات. الابتكار المؤسسي: OCP ليس شركة بل مدرسة ما فعله التراب داخل OCP يُدرّس اليوم في كبريات كليات الأعمال: تحويل المؤسسة إلى بنية تعلمية تتجدد يومياً عبر الاستثمار في العنصر البشري.
خلق جامعات محمد السادس المتعددة التخصصات التقنية (UM6P) لم يكن ترفاً أكاديمياً، بل كان قراراً استراتيجياً لصناعة جيل إفريقي يؤمن بالبحث والابتكار. أرقام تتحدث… ولكن الرؤية تسبق الأرقام تحت قيادة التراب: توسعت صادرات OCP إلى أكثر من 80 دولة.
تضاعف الإنتاج بمعامل الجرف الأصفر، وتحول خط أنابيب نقل الفوسفاط إلى نموذج عالمي في الاقتصاد الدائري. تم إنشاء مصانع في الهند، البرازيل، ونيجيريا
. فُعِّلت مشاريع الطاقة النظيفة وتحلية المياه لتحقيق الاستدامة.
كيف نفكر مثل التراب؟ أن تتخذ القرار لا بناء على ما هو مربح آنيًا، بل على ما هو صائب مستقبليًا. أن تفكر في الضعفاء لا باعتبارهم هامشًا، بل باعتبارهم مركز المشروع. أن تجعل من التكنولوجيا أدوات تحرير لا أدوات تسليع. امتداد الرؤية… رجال في الميدان ولا يمكن الحديث عن
هذه النهضة الشاملة دون الإشادة بالأذرع التنفيذية التي تُجسد يومياً فلسفة مصطفى التراب في الميدان. فالمديرون الجهويون للمجمع ليسوا مجرد إداريين، بل هم مهندسو تنزيل الرؤية، حَمَلة الشعلة في مواقع العمل، ومترجمو الرؤية المركزية إلى واقع ملموس.
ونخص بالذكر هنا مدير موقع خريبكة للفوسفاط، الذي يقود بدينامية استثنائية تحولات نوعية في جهة بني ملال خنيفرة، ليس فقط على مستوى الإنتاج والتدبير، بل من خلال انخراطه الفعلي في التنمية المحلية، ودعمه المستمر للمبادرات الاجتماعية، الثقافية، والبيئية. إن هؤلاء المديرين – في خريبكة، الجرف الأصفر، العيون، بن جرير، وغيرها – هم بمثابة مرآة تعكس نضج المشروع، وحاملو المشعل في ورش الإصلاح المستدام.
فهم لا يشتغلون فقط داخل أروقة المصانع، بل في عمق المجتمع، حيث يتقاطع الفوسفاط مع الإنسان، والمعادن مع المعنى. شخصية عالمية بحضور أكاديمي رفيع لا يُصنَّف الدكتور مصطفى التراب فقط ضمن أقوى الرؤساء التنفيذيين في إفريقيا، بل يُنظر إليه في الأوساط الأكاديمية والاقتصادية الدولية كشخصية مرجعية في فن قيادة التحول الصناعي المستدام.
وقد اختارته مجلات عالمية ضمن أقوى الشخصيات القيادية المؤثرة في العالم النامي، نظراً لتفوقه في الجمع بين الرؤية الاقتصادية العميقة والبعد الإنساني الاجتماعي. ما يُميّز التراب هو حضوره الوازن في الجامعات الدولية المرموقة، ليس فقط كضيف شرف، بل كمحاضر يُستدعى لمخاطبة نخب الفكر والسياسة والاقتصاد.
سواء داخل معهد MIT، الذي تخرّج منه، أو في منصات مثل المنتدى الاقتصادي العالمي بـ”دافوس”، وجامعة هارفارد، وكليات إدارة الأعمال العالمية، يقدّم التراب دروسًا حية في الإدارة برؤية أخلاقية ومسؤولية اجتماعية، مؤكدًا أن القادة الحقيقيين لا يُقاسون فقط بمعدلات النمو، بل بقدرتهم على بناء الأمل والكرامة في مجتمعاتهم.
كلمة أخيرة: هذا ليس إنجازًا… هذه نهضة مصطفى التراب لا يُصنف اليوم فقط كواحد من أقوى المديرين في شمال إفريقيا، بل كصاحب مشروع وطني عابر للحدود
. هو رجل دولة بدون حقيبة وزارية، صانع هوية اقتصادية مغربية جديدة تعتمد على القوة الهادئة: الابتكار، العمق، والبصيرة.
من أراد أن يُقيّم هذا الرجل، فعليه أن يستعد لكتابة أطروحة، لا مقالة. أما من أراد أن يُهاجمه، فعليه أولاً أن يتجول بين مصانع الجرف الأصفر، وحلقات البحث في UM6P، وحقول المزارعين في بوركينا فاسو. فهناك فقط… ستتكلم الحقائق.



