بقلم الأستاذ اسليماني مولاي عبد الله
Almouaten 24 -المواطن 24درعة تافيلالت. التعليم.
Almouaten 24 -المواطن 24درعة تافيلالت. التعليم.
في قلب صيف 2025، وبين حرارة الشمس ولهيب التحديات، تتكرر مشاهد مأساوية لأبناء وبنات المغرب العميق، ممن يضطرون إلى شد الرحال، وقطع مئات الكيلومترات، فقط من أجل اجتياز مباريات التعليم العالي.
في درعة-تافيلالت والعيون-الساقية الحمراء، وفي أقاليم أخرى كثيرة، يتنقل التلاميذ من مدينة إلى أخرى، في وقت قياسي وبوسائل محدودة، فقط لأن العدالة المجالية لم تصل بعد إلى مقاعد الاختبار. في الرشيدية، تبدأ المعاناة بمباراة كلية الطب، ثم ينطلق الطلبة نحو الرباط لاجتياز مباراة ولوج معهد الزراعة والبيطرة APESA، ليُختم الأسبوع في أكادير باختبار TAFEM للمدارس الوطنية للتجارة والتسيير.
ذات المشهد يتكرر مع اختلاف النقطة الجغرافية، من العيون إلى الرباط ثم أكادير. ما بين 1100 إلى 1650 كيلومترا تُقطع في 3 أيام فقط، بدون دعم مادي أو لوجستي، وبتكاليف تثقل كاهل الأسر الفقيرة.
رغم ذلك، لا يُظهر أبناء الهامش أي تراجع عن حلمهم في التعليم. بل إنهم يواجهون التعب والإرهاق، وأحيانا الخطر، بإصرار استثنائي. ليسوا أقل ذكاءً من أقرانهم، بل أكثر معاناة، يضعون الوطن في قلوبهم، ويؤمنون بأن المستقبل يُصنع بالعلم والاجتهاد
. في هذا السياق، لا بد من الإشادة بالمجهودات المبذولة من طرف الدولة المغربية في توسيع العرض التربوي وتعزيز بنيات التعليم العالي، وهو ما يتجلى في إنشاء كليات متعددة التخصصات ومراكز جامعية في العديد من الجهات.
كما لا يمكن إنكار الدور المركزي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في توفير الإيواء والنقل المدرسي في بعض المناطق. لكن التحديات ما تزال قائمة، وتتطلب نقلة نوعية في السياسات التعليمية، خصوصا في ما يخص تنظيم المباريات الوطنية.
إن التوزيع الجغرافي للمراكز لا يعكس بعد مبدأ التمييز الإيجابي المنصوص عليه في دستور 2011، ولا يواكب التوجيهات الملكية السامية التي ما فتئت تؤكد على النهوض بالمناطق النائية وضمان تكافؤ الفرص.
من هنا، بات من الضروري فتح نقاش وطني صريح ومسؤول حول: 1. إحداث مراكز جهوية لاجتياز مباريات التعليم العالي، قريبة من محل سكنى التلميذ. 2. تخصيص دعم مالي ولوجستي، على شكل منح انتقال أو مساكن جامعية مؤقتة للتلاميذ الممتحنين. 3. سنّ مقاربة تشاركية تشمل الأسر، المجتمع المدني، الجماعات الترابية، والقطاع الخاص لضمان الإنصاف.
العدالة المجالية ليست مجرد شعار، بل التزام وطني ودستوري، ورافعة حقيقية لتنمية رأس المال البشري. وأبناء الهامش لا يطلبون المستحيل، بل فقط تكافؤ الفرص، وحقهم في الحلم دون مشقة الطريق. فلنجعل من 2025، محطة إصلاح فعلي لمنظومة ولوج التعليم العالي، ولنفتح الآفاق أمام شباب المغرب كافة، من قلب الرباط إلى تخوم تافيلالت، ومن ضفاف كلميم إلى صحراء العيون. فهؤلاء، هم طاقات الوطن… ومصدر نهضته.



