[success]المواطن24[/success]
“المغرب بين التغيير والجمود” هو عنوان الكتاب الذي أصدره مؤخرا الأستاذ عبد السلام الصديقي. حيث يتكون المؤلَّـــف من المقالات التى واظب الكاتب أسبوعياً على إصادرها خلال سنة 2019. ومن الواضح أن طبعَة هذا الكتاب، في صيغتها الإلكترونية، تأخرت بحوالي سنة كاملة، ليس لسببٍ سوى للإكراهات التي نتجت عن جائحة كوفيد 19. والمقالات المتضمَّنة في هذا الكتاب تُسائِلُ مختلف الإشكاليات المتعلقة بتطور الأوضاع في المغرب.
وقد استأثر باهتمام الكاتب، على وجه التحديد، تخليدُ الشعب المغربي للذكرى العشرين لتربع الملك على العرش، حيث خصص لهذا الحدث مقالاً مطولا ومفصلا اختاره أن يكون بمثابة افتتاحية للكتاب الذي بين أيدينا. وتناول فيه، من خلال اعتماد منهجية تحليلية، الإنجازات التي حققها المغربُ خلال العقدين الأخيرين في شتى المجالات، دون إغفال التطرق إلى التحديات التي يتعين عليه مواجهتها حالاً ومُستقبلاً. “مما لا شك فيه أنَّ حصيلة ما حققه المغرب، خلال العقدين الأخيرين، إيجابية جدا، وَوَقْعُـــها واضحٌ للعيان. ذلك أن مغرب اليوم مغايرٌ تماماً لمغرب بداية الألفية.
مع ذلك، وما دام أن أي تطور يحمل بين طياته التناقض، فإن هذا التقدم لم يمس بنفس القدر عموم المغاربة ولا مجموع جهات المملكة. والملك هو أول من يــعلن عن ذلك ويُــقِرُّ به، لا سيما من خلال تأكيده على محدودية النموذج التنموي الحالي، ودعوته المؤسسات الأساسية في البلاد من أجل التفكير في نموذج تنموي جديد يتمحور حول الإدماج الاجتماعي وتلبية الحاجيات الأساسية للمواطنين”، يوضح الأستاذ الصديقي، قبل أن يُضيف مُــدقِّــقاً في مقدمة كتابه: “مع الأسف، هذه الإرادة المَــلكية نحو السير قُدُماً بالمغرب لكي يُصبح قوةً إقليمية صاعدة لم ترافقها تعبئة كل الفاعلين المعنيين، وخاصة على مستوى النخب المُفتَرَضِ أنها هي المؤهلة لحمل ودعم التغيير المنشود”.
وهي المنهجية نفسها التي اتبعها الأستاذ الصديقي، والذي تَــحَــمَّــلَ، للتذكير، مَهمةً وزاريةً في قطاع التشغيل والشؤون الاجتماعية ما بين سنتيْ 2013 و2017، في كل مقالاته، مَازِجاً في عَــمَــلتيْ التفكير والكتابة، بين الالتزام العلمي الأكاديمي، وبين الالتزام السياسي النضالي. وبإمكان القارئ أن يقف على ذلك، من خلال الاطلاع على مقالاته التي جَــمَّــعَها في هذا الكتاب، أو تلك التي سبق نشرها تحت عنوان “مواقف واقتراحات”.
فالرجل يكتب باقتناع والتزام وموضوعية، وَبِـــنُـــزُوعٍ واضحٍ نحو الانفتاح على الحوار العلمي والديموقراطي، ونحو احترام الآراء الأخرى طالما أنها تتميز بالجدية. كما يؤكد على ذلك بقوله: “وبينما نضع رهن إشارة القارئات والقراء هذا المطبوع، فإننا نأمل إثارةَ اهتمامهم بقضايا البلد، وتحفيزَ الفُضول الفكري والمعرفي والنقد البَنّاء لديهم.
فمن جهتي سأظل منفتحاً على كل الملاحظات والانتقادات مِنْ حيث ما أتت، وأرجو أن تكون كثيرة. إنني أُقدر رهان الكتابة التي أعتبرها شكلاً من أشكال النضال”. فَــأَنْ يكتب المرءُ، فذاك فعلٌ نضالي وسلوكٌ يَـــنِــمُّ عن التقاسم والتبادل. والكتابة فعلٌ يحتاج إلى كثير من التواضع والمسؤولية. والأستاذ الصديقي تَمَسَّكَ بهذه المتطلبات، ليس على مَــتْـِـن مقالاته فَحَسْب، ولكن حتى في تعليله لاختيار عنوان الكتاب، كما يُوضح للقارئ ذلك: “يبدو لنا مفيداً تعليل اختيار عنوان هذا الكتاب الذي هو المغرب بين التغيير والجمود، فكل ملاحِظٍ يقظ ويتحلى ولو بقليلٍ من الموضوعية لا يمكنه سوى أن يرصد ويسجل هذا الواقع المتناقض. فمن جهة نشهد ديناميةً للتغيير على جميع المستويات، مع إرادةٍ سياسية معبر عنها بقوة ووضوح. ومن جهة أخرى، نسجل مظاهر للمقاومة وسلوكاتٍ محافظة في مواجهة التغيير. وذلك ما يعطي الانطباع وكأن المغرب يراوح مكانه”. إنه شكل من “الهيجان” في نفس المكان. وهذه المُفارقة تكبح، بجدية، تطور البلاد، وتُضعف حظوظها في الصعود بالوتيرة المطلوبة. هكذا، في كل مرة تشرع البلاد في مباشرة إصلاح هيكلي وحيوي للمجتمع، نشهد “انتفاضاً” للقوى المناهضة للتقدم وللقوى التي تسعى إلى الحفاظ على مصالحها والإبقاء على مواقع الريع التي تستفيد منها. نتمنى لكم قراءة مفيدة وممتعة لهذا الكتاب الذي، وإن تأخر إصدارُهُ بسنة، إلا أن محتوياته لاتزال تحتفظ بكل طراوتها وراهنيتها و…وجاهتها.