المواطن 24…الاقتصاد.بقلم الاستاذ اسليماني مولاي عبد الله تخصص قانون و اقتصاد خبير في المنازعات
تشهد المنظومة الجبائية المغربية منذ سنة 2023 تحولات عميقة تتماشى مع التزامات المملكة نحو نظام ضريبي أكثر عدالة وفعالية.
ومن أبرز هذه الإصلاحات، المراجعة التدريجية للضريبة على توزيع الأرباح المعروفة باسم “TPA”، والتي تُعد من الأدوات الأساسية في محيط الضريبة على الشركات، لكونها تطال عوائد المستثمرين بشكل مباشر. الضريبة على توزيع الأرباح تُقتطع من المنبع، أي من قبل الشركة التي توزع الأرباح على شركائها أو مساهميها، ثم تُحوّل مباشرة إلى الإدارة العامة للضرائب
. هذه الآلية، المعتمدة على نطاق واسع دوليًا، تضمن للدولة استخلاص الضريبة في الوقت المناسب، لكنها تطرح في الوقت ذاته تحديات تتعلق بجاذبية الاستثمار ومدى قدرة النظام الجبائي على تشجيع إعادة استثمار الأرباح في الدورة الاقتصادية.
في هذا السياق، تبنت المملكة مقاربة تدريجية لتخفيض نسبة الضريبة على توزيع الأرباح ابتداءً من سنة 2023، في إطار قانون المالية الذي أقر، ضمن رؤية إصلاحية أوسع، خفضًا سنويًا تدريجيًا لهذه النسبة حتى تبلغ سقف 10% سنة 2026. هذه الخطوة لم تكن عشوائية، بل جاءت في إطار تفعيل مقتضيات القانون الإطار رقم 69.19 المتعلق بالإصلاح الجبائي، الذي نص على ضرورة توجيه النظام الضريبي نحو تشجيع الاستثمار وخلق الثروة، مع ضمان تعبئة موارد كافية لتمويل السياسات العمومية الكبرى
. إن تخفيف الضغط الجبائي على الأرباح الموزعة يعكس توجهًا نحو بناء علاقة متوازنة بين الدولة والمستثمر، قائمة على الثقة والشفافية وتوزيع منصف للعبء الضريبي.
كما يعكس وعيًا بأن التحفيز الضريبي لا يعني التنازل عن الحقوق الجبائية للدولة، بل يعني تهيئة المناخ الأمثل لاستقطاب الرساميل ورفع الإنتاجية وتشجيع التمويل الذاتي للمقاولات.
ويجب التذكير بأن هذه الضريبة تعتبر نهائية بالنسبة للأشخاص الطبيعيين المقيمين، مما يسهل مساطرهم الجبائية ويجنبهم أي ازدواج في الأداء.
أما بالنسبة للمؤسسات، فإن هناك حالات إعفاء أو استرداد تُطبق بحسب طبيعة العلاقة بين الموزِّع والمتلقي، خصوصًا في إطار نظام الشركات القابضة أو عندما تتوفر شروط معينة من حيث نسبة التملك ومدة الحيازة.
هذا الإصلاح يعكس بشكل صريح إرادة الدولة المغربية في مأسسة الثقة مع الفاعلين الاقتصاديين وتوطيد دعائم الاستقرار الجبائي كعنصر حاسم في القرار الاستثماري.
كما أنه يتماشى مع المعايير الدولية في ظل المنافسة الجبائية بين الدول الجاذبة للاستثمار الأجنبي، ويُكرس مبدأ الشفافية المالية، ويُعيد رسم علاقة جديدة بين الدولة والمستثمر قائمة على الالتزام
المتبادل. إن المراجعة التدريجية للـ TPA ليست مجرد إجراء تقني أو تعديل حسابي، بل هي جزء من سياسة اقتصادية واضحة المعالم، تسعى لإعادة بناء الثقة وتعزيز العدالة الجبائية وتحقيق النمو المستدام.
وفي ظل الدينامية الإصلاحية التي تعرفها المملكة، يُنتظر أن تساهم هذه الخطوة في تحسين مناخ الأعمال، وتحفيز المبادرة الخاصة، وتعزيز تموقع المغرب كقطب اقتصادي واعد في محيطه الإقليمي والدولي.


