المواطن 24
بقلم: الأستاذ اسليماني مولاي عبد الله خبير اقتصادي
في ظل التحديات الاقتصادية التي يعيشها المغرب، يظل القطاع الفلاحي عامة وقطاع الدواجن خاصة من أهم الركائز التي تضمن الأمن الغذائي وتدعم الاستقرار الاجتماعي.
هذا القطاع الحيوي، الذي يشمل إنتاج اللحوم البيضاء والبيض، لا يقتصر أثره على تغذية المواطنين، بل يمتد ليشمل سلسلة من الأنشطة الاقتصادية المترابطة، من إنتاج الأعلاف والنقل إلى التسويق والتوزيع، مما يجعله مشغّلًا رئيسيًا لليد العاملة ورافعة أساسية للتنمية القروية.
في هذا السياق، يطرح موضوع الإعفاءات الضريبية للدواجن سؤالاً مركزياً حول مدى قدرة السياسة الجبائية على موازنة حماية المستهلك وتحفيز الاستثمار وضمان مداخيل الدولة
. تستفيد مزارع الدواجن في المغرب من إعفاء ضريبي مهم على مستوى الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات، شرط ألا يتجاوز رقم المعاملات السنوي 5 ملايين درهم خلال ثلاث سنوات متتالية.
هذا الإجراء، المستمد من فلسفة التشجيع على الاستثمار الفلاحي، يجد أساسه في المدرسة القانونية ذات المنحى التنموي، التي تعتبر أن تخفيف العبء الجبائي عن الفاعلين الصغار والمتوسطين يخلق دينامية إنتاجية ويحفز التشغيل، خصوصاً في العالم القروي.
من زاوية نظرية اقتصادية، يمكن تفسير ذلك في إطار نظرية العرض التي ترى أن تقليص الضرائب على المنتجين يزيد من العرض في السوق ويخفض الأسعار، وفي الوقت ذاته يدعم الاستهلاك العام ويعزز المنافسة.
غير أن الإعفاءات لا تشمل الضريبة على القيمة المضافة (TVA) بالنسبة للمنتوج النهائي من الدواجن، وهو ما يشكل نقطة توتر بين المهنيين والحكومة. ففي حين يستفيد منتجو بعض المدخلات الفلاحية أو القطاعات الحيوانية الأخرى (كالأبقار والأغنام) من إعفاءات أو تخفيضات مؤقتة على TVA، يظل قطاع الدواجن خارج هذا النطاق، مما يرفع كلفة الإنتاج النهائية.
هذا الوضع، بحسب الفاعلين، لا ينسجم مع نظرية العدالة الاجتماعية التي تؤكد على المساواة في المعاملة الجبائية بين القطاعات المنتجة للغذاء الأساسي، ويطرح إشكالية في التوازن بين مداخيل الدولة وحماية المستهلك، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الأعلاف في الأسواق العالمية بنسبة
تجاوزت 25% خلال سنتي 2023 و2024 حسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة (FAO). إحصائياً، يشكل قطاع الدواجن في المغرب أكثر من 60% من الاستهلاك الوطني للحوم، بإنتاج سنوي يقارب 720 ألف طن من اللحوم البيضاء، و6 مليارات بيضة موجهة للاستهلاك، مع رقم معاملات يناهز 32 مليار درهم سنوياً وفق معطيات الفيدرالية البيمهنية لقطاع الدواجن (FISA).
هذه الأرقام تعكس وزناً اقتصادياً يستدعي، من منظور المدرسة القانونية الاقتصادية، إعادة النظر في المنظومة الجبائية المطبقة، بحيث توازن بين متطلبات الميزانية العامة والحاجة إلى دعم قطاع يضمن الأمن الغذائي ويخلق عشرات الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
إن استمرار الجدل حول الإعفاء من TVA يعكس صراعاً كلاسيكياً بين توجهين: الأول، مالي-جبائي يركز على ضرورة الحفاظ على موارد الدولة، والثاني، اجتماعي-اقتصادي يلح على أهمية دعم القطاعات الحيوية لضمان استقرار الأسعار وتحقيق السيادة الغذائية.
وفي ظل المتغيرات الدولية، من اضطرابات سلاسل التوريد إلى تغيرات المناخ، يظل التحدي الأكبر هو صياغة سياسة جبائية مرنة ومتوازنة، قادرة على مواكبة التحولات، وتوفير حماية للمنتج والمستهلك على حد سواء، دون المساس بالاستدامة المالية للدولة.



