بقلم: الأستاذ اسليماني مولاي عبد الله – خبير في المنازعات، تخصص قانون واقتصاد. في المغرب
Almouaten 24 -المواطن 24
لم تعد الجباية مجرد أرقام وجداول، بل تحوّلت إلى مسار قانوني متكامل تحكمه إجراءات صارمة، وعلى رأسها مسطرة التبليغ.
فالإشعار أو الإنذار الضريبي ليس ورقة عابرة، بل وثيقة ذات أثر قانوني مباشر، قادرة على قطع التقادم الرباعي في التحصيل وفتح باب المديونية من جديد.
لهذا، تراهن الإدارة الضريبية على أعوان القضاء كضمانة إضافية لإضفاء المشروعية على عملية التبليغ، وحماية قراراتها من أي طعن شكلي. هذا التشدد الإجرائي يجد سنده في المواد 235 و236 من المدونة العامة للضرائب، التي تحدد طرق التبليغ وتُقرّ بأن تاريخ التسليم هو الفيصل في إثباته، فضلًا عن المادتين 123 و124 اللتين تنظمان آجال التقادم وطرق احتسابه. غير أن هذه القوة
القانونية قد تتحول إلى نقطة ضعف بالنسبة للملزم إذا لم يكن على دراية بتفاصيلها، وهو ما يضع المحاسب المعتمد في الواجهة، مطالبًا بفك رموز الإشعارات الضريبية وتحديد ما إذا كانت صالحة قانونيًا أم سقطت بالتقادم. لكن التحدي اليوم يتجاوز الجانب التقني. فمنذ أن حوّلت الإدارة الضريبية جزءًا من مهامها إلى مكاتب المحاسبين، أصبح هؤلاء يتحملون عبئًا مضاعفًا: وقت أقل، مسؤولية أكبر، وحاجة دائمة لمواكبة التغييرات التشريعية.
وفي الوقت نفسه، تُبدي الدولة حرصًا على تمتين هذا الإطار، ليس فقط لضمان مداخيل الخزينة، بل لخلق بيئة مالية شفافة توازن بين حق الإدارة في التحصيل وحق الملزم في الدفاع. إصلاحات سنة 2025 جاءت لتؤكد هذه الرؤية، حيث أغلق المغرب دورة ثلاث سنوات من التحديث الجبائي عبر قانون المالية، الذي ركّز على توسيع الوعاء الضريبي، تشجيع الاستثمار، وتحقيق عدالة توزيعية بين الفئات.
أرقام النصف الأول من العام تعكس ذلك بوضوح: ارتفاع الجبايات المحلية بنسبة 16.6% لتبلغ 25.1 مليار درهم، وهو نمو اعتبره صندوق النقد الدولي دليلاً على فعالية الإصلاحات، داعيًا إلى الاستمرار في هذا النهج.
أمام هذا المشهد، تبقى أمام الملزم خيارات ذكية لتفادي التعثرات: تحيين عنوانه الجبائي بانتظام، أرشفة كل مراسلة يتوصل بها، تتبع وضعيته عبر المنصات الرقمية، الاستشارة الفورية مع مختص قبل الرد على أي إشعار، والتحرك السريع داخل الآجال القانونية للطعن أو التسوية. هذه الخطوات البسيطة، إذا التزم بها، قد تقيه من نزاع طويل ومعقد.
إن التحدي الجبائي في المغرب لم يعد مجرد مسألة أداء واجب، بل صار اختبارًا للوعي القانوني، وميزانًا دقيقًا بين قوة الإدارة وحقوق المواطن. وبينما تواصل الدولة المغربية تعزيز دعائم هذا النظام، يبقى الرهان الحقيقي في أن يكون كل ملزم شريكًا واعيًا في مسار العدالة الجبائية، لا مجرد طرف خاضع لإجراءاتها.



