بقلم: سارة بوجلول باحثة في علم الاجتماع
الدار البيضاء، المغرب
تحتل الأمثال، في كل المجتمعات، مكانة مهمة، تتوافق مع وضعيات عديدة، فهي تمثل جزءا من العالم اللغوي الذي هو عالمنا، وتكشف عن مظاهر إعمال العقل، وتشير إلى مسارات الفكر، وتعليم وتعلم الإنسان فن الاستماع والتحدث.
تسمح التقاليد الشفوية، بما هي وسيلة للتنشئة الاجتماعية، للفرد بالاندماج في المجتمع، من خلال مكونات مختلفة: الأساطير والحكايات والأغاني والأمثال. ويمثل هذا النوع من الأدب الشفهي شهادة ثقافية وتراثية على ذاكرة وهوية من اخترعوه. وهي موجودة في جميع الثقافات وفي كل المجتمعات اللغوية: ذلك أن كل مجتمع من المجتمعات يصوغ الأمثال وفقًا لطقوسه وتقاليده.
الاهتمام بالأمثال الشعبية اليهودية المغربية يجد سنده في الوثيقة الدستورية 2011؛ حيث تنص على كون المملكة المغربية “دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”، ويتأكد من منطوق هذه الفقرة أن المكون العبري، يعتبر بالفعل رافدا من روافد الهوية الوطنية إلى جانب الروافد الأخرى.
يقترح هذا المقال إثارة بعض التساؤلات حول الأمثال اليهودية المغربية، حيث يسعى إلى إبراز أن الأدب اليهودي العامّي، بطريقة ما، يعد عنصر الالتقاء المميز للمجتمعين اليهودي والإسلامي اللذين يحققان، في هذا المجال المحدد من الثقافة، تعايشًا حقيقيًا. وتمارس هذه الأنواع تأثيرًا كبيرًا على المجتمع بقدر ما تعمل على التنظيم الاجتماعي، وبالتالي تترك تأثيرًا في علم النفس الجماعي والفرد.
التموقع الإبستمولوجي لدراسة الأمثال اليهودية المغربية
لابد في البدء من الإشارة إلى أن العلاقات اليهودية الإسلامية كانت دائمًا في وضعية تتأرجح بين التمايز والتكامل والاستقلالية والتكافل، مما يؤسس شبكة من التبادل والتأثير الملموس على مستوى اللغة والعادات والموسيقى والأمثال موضوع بحثنا. يُظهر فحص جوانب الأسرة اليهودية العديد من نقاط الالتقاء مع تلك الخاصة بالمسلمين. الأمثال والقصص التي كتبها بعض الكتاب أو الكتاب اليهود المغاربة، على الرغم من اختلافها الشديد في أشكالها ومحتوياتها، تكشف جميعها الهوية الثقافية اليهودية كرافد من روافد الهوية الثقافية الوطنية والشخصية المغربية.
أهمية البحث في الثقافة الشفوية: الأمثال اليهودية المغربية أنموذجا
ينصب اهتمام هذا المقال على إظهار أن الثقافة الشفوية وخاصة الأمثال اليهودية المغربية يمكن أن تنتشر أيضًا في المجتمع، ويبدو أنه قبل وضع دراسة حول الأمثال التي تشكل دعمًا لعملنا، يكون ممن الضروري توضيح معنى مفهوم الثقافة الشفهية، لتحديد الأمثال التي تساهم، من خلال التنشئة الاجتماعية، في بناء التمثيلات الاجتماعية للرجال والنساء. إن الاهتمام بالموضوع مرده أن المثل بمثابة مرآة تعكس الخصائص الاجتماعية والثقافية للمجتمع المغربي، وتوفر معلومات عن طرق التفكير، والتحدث والتواصل، وجوانب الهوية التي تميز المجتمع المغربي. من هناك، يمكن للمثل أن يسمح ب تكوين نظرة للتاريخ، ويمكن أن يكشف أيضًا عن العديد من القيم الأخلاقية والجمالية، ومن ثم اهتمامه بالتعليم ونقل القيم والمعرفة. وفي هذا الصدد، لذا فإن انشغال الباحثين ينبغي أن ينصرف إلى البحث في الأمثال الشعبية من حيث صياغتها التركيبية الموجزة وبنيتها الإيقاعية المميزة؛ وهي جوانب لاقت اهتماما كبيرا بها من لدن الأسلاف.
ويبدو أن الرهان على الباحثين كبير في أن يسلطوا أضواء كاشفة على هذه الجوانب، والقيم المختلفة في الأمثال اليهودية الإسلامية، مما سيسمح أيضًا برؤية أخرى. ذلك أن الاهتمام بالموضوع يعود كذلك إلى أن الأمثال كمنتج للمجتمع تتعلق بجميع مجالات الحياة: العمل، الحياة الزوجية، الزواج، العلاقات الاجتماعية، التعليم، إلخ. إنها سجلات لتراث متنوع وغني، حيث إن كل ضرب من ضروب الحياة يقابله مثل أو أمثال تختزن خبرة مكتسبة عبر السنين، وتمنح الأفراد في تواصلهم وسجالهم نفسا حجاجيا وإقناعيا. والمؤكد أن دراسة الأمثال اليهودية الإسلامية من منظور مقارن، ستجعل من الممكن اكتشاف خصائص الهوية لمجتمع يمثل فسيفساء وسيكشف عما سمح لهذا المجتمع أن يكون متنوعًا ومتحدًا.
الأمثال اليهودية المغربية : عناصر إشكالية
تستهوي دراسة الأمثال الباحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية باعتبارها منتجات اجتماعية. وقد يعود ذلك إلى طبيعة هذه الأمثال: الأمثال ، والأقوال المأثورة ، والجمل، والمبادئ ..والطقوس التي تعتبر مجالًا خصبا للتحليل. تشكل دراسة الأمثال، التي تم تطويرها حديثًا من خلال علم التشريح، مثالًا أساسيًا، على الرغم من الصعوبات المرتبطة بتعريفها ، وتنوع وظائفها في الحياة الاجتماعية، والتي تختلف باختلاف المناطق والأزمنة والثقافات.
فضلا عن ذلك، ووفقًا لما ورد في مقال “التقليد الشفوي” لكالام غريول، فإن كل لغة تنقل مجموعة مهمة من الأفكار التي تشكل ذاكرة تندرج تحت التقليد المستبطن مما يعني أن كل لغة ليست مجرد تجميع رسمي أو مجموعة دلالية أو صوتيات أو بناء جملة، ولكنها أيضًا مصدر مهم جدًا للأفكار الجاهزة للاستخدام. وهكذا، فإن الأمثال تعطينا عناصر تحليل المجتمع، وسياقه الجغرافي، وعقليته، وعاداته، وكذلك احتياجاته.
يعتبر المثل وسيلة تسمح لمستخدميه بالتعبير عن أنفسهم باستخدام بنيات مشتقة من الحكم الشعبية القديمة جدًا. إنها تدفعهم إلى استخدام ذكائهم لتعميم موقف أو تصور معين بأنفسهم. يمنحهم كلمات ليقولوها ، عندما لا يعرفون ماذا أو كيف يقولون. إنه يلخص رؤية مشتركة ، ويساعدهم على الصياغة الجيدة لكلامهم و تضمينه علامات الوقف الدالة والمناسبة حتى تكون له الكلمة الأخيرة. كما يمكن أن يكون المثل أيضًا بمثابة طقوس بدائية لمجتمع معين، فالبنسبة للمبتدئين ، غالبًا ما يظهر على أنه لغز