بقلم: منير نافيع
في مفارقة صارخة تضع المجلس الوطني للصحافة في دائرة الشكوك، يبدو أن هذا المجلس الذي أُسس لحماية حقوق الصحفيين والدفاع عن مهنية الإعلام الوطني، قد أصبح اليوم طرفا في مسلسل تهميش الإعلام الجهوي، خصوصًا في الأقاليم الجنوبية. والأنظار تتوجه الآن إلى هذا المجلس، متسائلة: هل هذا التهميش هو سياسة ممنهجة تهدف إلى عرقلة الإعلام الجهوي، أم أنه مجرد إهمال مستمر لقضايا الصحفيين في المناطق البعيدة عن المركز؟ لطالما كانت وسائل الإعلام الجهوية في الأقاليم الجنوبية، وعلى رأسها العيون، ركيزة أساسية في الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية
لكن اليوم، يبدو أن هذا الدور الحيوي قد أصبح مهددًا، حيث يواجه الإعلام الجهوي تهميشا متواصلا، لا يبدو أن له نهاية. هذه الوسائل التي تنقل نبض الشارع المحلي وتسلط الضوء على القضايا الاجتماعية، تواجه اليوم جدارا من الصمت الرسمي، بل إن غياب أي شكل من أشكال الدعم من المجلس الوطني للصحافة يثير الكثير من التساؤلات حول غياب الرؤية الإستراتيجية لهذا المجلس في التعامل مع هذا الملف الحساس. إحدى الأزمات الكبرى التي يعاني منها الإعلام الجهوي تتمثل في عدم تجاوب المجلس مع مطالب الصحفيين والمقاولات الإعلامية في الأقاليم الجنوبية. بدلاً من تقديم حلول حقيقية لتمويل الإعلام الجهوي، أو تقديم الدعم اللازم لمساعدة الصحفيين على تطوير مهاراتهم، يكتفي المجلس بتقديم خطب عن “الوطنية” و”الالتزام”.
وهي خطب قد تكون مثيرة للغضب أكثر من كونها ملهمة. فالأولى بالمجلس الوطني للصحافة هو أن يقف إلى جانب الصحفيين الذين يعانون من صعوبات حقيقية في أداء مهامهم، من بينها نقص الدعم المعنوي والمادي. الأسوأ من ذلك هو ما يحدث على المستوى التقني. فالموقع الإلكتروني للمجلس، الذي يفترض أن يكون نقطة وصل أساسية بين المجلس والصحفيين في الأقاليم الجنوبية، يشهد توقفات متكررة دون أي إشعار رسمي. هذه الأعطال الفنية التي قد تبدو بسيطة، إلا أنها تترك الصحفيين في موقف حرج، لا سيما أولئك الذين يعتمدون على هذه المنصة لتجديد بطاقاتهم المهنية أو التواصل مع المجلس.
ومع تكرار هذه التوقفات، تبدأ التساؤلات في الظهور: هل هذه الأعطال مجرد صدفة، أم أن هناك سياسة ممنهجة لعرقلة الصحفيين في الأقاليم البعيدة عن المركز؟ ومع التهميش المستمر الذي يطال الإعلام الجهوي، يبقى المجلس الوطني للصحافة بعيدا عن الهموم الحقيقية التي يعيشها الصحفيون في الأقاليم الجنوبية. فالمجلس لا يقدم حلولا عملية للمشاكل التي يواجهها الإعلام الجهوي، ولا يتفاعل مع مطالب الصحفيين بشكل جاد. بدلا من الاستماع إلى مشاكلهم ومساعدتهم على تجاوز العقبات، يجد الصحفيون أنفسهم أمام مجلس يعاملهم وكأنهم مجرد أداة في يد سياسة لا علاقة لها بالواقع المحلي.
إن استمرار هذه السياسات سيؤدي حتما إلى مزيد من العزلة للإعلام الجهوي في الأقاليم الجنوبية، ويدفع الصحفيين إلى البحث عن وسائل أخرى للتعبير عن همومهم وأمالهم. لكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، إذ إن الصحفيين في الأقاليم الجنوبية ليسوا بحاجة إلى وعود فارغة أو خطب رنانة، بل يحتاجون إلى دعم حقيقي، سواء كان ماديا أو معنويا. من هنا، يتساءل الجميع: هل سيأخذ المجلس الوطني للصحافة على عاتقه مسؤولية دعم الإعلام الجهوي والمساهمة الفعالة في تطويره؟ أم أن هذا التهميش المتواصل هو جزء من سياسة غامضة تهدف إلى إبقاء الإعلام الجهوي في الظل؟ الإجابة عن هذه الأسئلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل الإعلام الوطني في المغرب، خصوصا في الأقاليم الجنوبية التي تحتاج إلى دعم أكثر من أي وقت مضى.