تخيم عبد الفتاح
أوصى مجلس المنافسة، في التقرير الذي أصدره امس الاثنين، بمنح الأولوية لإعادة النظر، بصفة استعجالية ومعمقة، في الإطار وكيفيات تقنين أسواق الغازوال والبنزين.
وأوصى المجلس، في رأيه عدد ر/3/22 بشأن الارتفاع الكبير في أسعار المواد الخام والمواد الأولية في السوق العالمية، وتداعياته على السير التنافسي للأسواق الوطنية، بالنسبة لحالة المحروقات (الغازوال والبنزين)، بإعادة النظر، بصفة استعجالية ومعمقة، في هذا الإطار قصد التخفيف من شروطه وجعله أكثر توافقا مع إكراهات الأسواق وواقعها، مع الحرص على الحفاظ وتعزيز الوظائف السيادية للبلاد في مجال المراقبة والسلامة.
وسجل المصدر ذاته أن الدراسة كشفت أن الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بأسواق الغازوال والبنزين يؤطرها بشكل مستمر قانون ونصوص تنظيمية متقادمة، حيث يرجع تاريخها إلى سبعينيات القرن الماضي، وذلك بالرغم من الاضطرابات التي طبعت أسواق هذه المنتجات.
وتابع بأنه “في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الدولة قامت، سنة 2015 ،بمحاولة لإعادة النظر في هذا الإطار عن طريق إصدار قانون جديد. ويتعلق الأمر بالقانون رقم 15.67 الذي ظل غير نافذ بسبب غياب النصوص التطبيقية المرتبطة به.
غير أن الإطار القانوني والتنظيمي المذكور أعلاه يظل المرجع الذي يحدد آليات تقنين هذه الأسواق عبر تحديد ليس فقط شروط الولوج، وإنما الطرق العملية الضامنة لسيرها، انطلاقا من الاستيراد ووصولا إلى التخزين والتسليم بمحطة الخدمة.
وبالموازاة مع ذلك، أوصى مجلس المنافسة بتخفيف أكبر شروط الولوج إلى أسواق الغازوال والبنزين في المراحل الابتدائية والنهائية لسلسلة القيمة مـن خلال التسريع من وتيرة تفعيل التوصيات الصادرة عن المجلس سنة 2019.
ويتعلق الأمر أساسا بتقليـص عدد المتدخلين في عملية منح الرخص والتراخيص اللازمة، لاسيما الوزارة المكلفة بالطاقة والجماعات، عن طريق إرساء شباك وحيد، مما يمكن من تفادي ازدواجية عملية منح التراخيص.
كما يهم التنصيص بوضوح، في التصاميم المديرية للتهيئة الحضرية، على المناطق التي يمكن تخصيصها حصـرا لإنشطة تخزين هذه المنتجات النفطية بهدف إمداد المستثمرين المهتمين برؤية أفضل، وتفادي اللجـوء المتكرر إلى مسطرة الاستثناء لدى السلطات المحلية المختصة.
وشدد المجلس أيضا على إلغاء نظام منح الرخص لمحطات الخدمة الجاري به العمل وتعويضه بنظام سهل للتصريح، وبالتالي إلغاء نظام المراقبة القبلية لنشاط محطات الخدمة ليحل محله نظام للمراقبة البعدية لهذه الأخيرة، فضلا عن تشجيع أغيار مستقلين على الاستثمار أكثر في قدرات التخزين، والذين تكمن وظيفتهم الرئيسية في تخزين المنتجات النفطية، عن طريق إلزامهم بوضع بنياتهم التحتية تحت تصرف الموزعين بالجملة أو مستوردي المنتجات المكررة مقابل تقاضي أجرة عن الخدمات المقدمة.
من جهة أخرى، أوصى مجلس المنافسة بإعادة النظر في الإطار القانوني والتنظيمي المنظم للعلاقات التعاقدية بين شركات التوزيع ومحطات الخدمة، وتشجيع تشجيع الفاعلين في أسواق الغازوال والبنزين على استخدام أدوات لتغطية المخاطر، وكذا دراسة فرص الحفاظ وتطوير نشاط تكرير بالمغرب.
كما أوصى بتوسيع نطاق النظام الجبائي المطبق حاليا على القطاعات المحمية، ليشمل أسواق توزيع المنتجات النفطية مع إقرار ضريبة استثنائية على الأرباح المفرطة لشركات استيراد وتخزين وتوزيع الغازوال والبنزين، واستبعاد أية عودة محتملة للدعم المباشر لهذه المواد وإرسـاء، عوضا عن ذلك، مساعدات مباشرة موجهة للسكان الأكثر هشاشة ومنح إعفاءات ضريبية ملاءمة لفائدة الطبقة الوسطى، فضلا عن التسريع من وتيرة تنزيل استراتيجية الانتقال الطاقي.
يذكر أن التحليلات المنجزة في إطار الرأي الحالي، والخلاصات المنبثقة عنها، تتيح إمكانية إصدار جملة من التوصيات الرامية أساسا إلى إضفاء تنافسية أكبر على أسواق الغازوال والبنزين، وذلك أخذا بعين الاعتبار الواقع الاقتصادي الهيكلي لهذه الأسواق وواقع اقتصاد المغرب باعتباره بلدا لا ينتج النفط.
ويتعلق الأمر بميزة أساسية وكامنة وراء كافة مقترحات المجلس، والتي تهدف إلى إضفاء شفافية أكبر على الأسواق سالفة الذكر وجعلها أكثر قابلية للمنافسة، أي أكثر انفتاحا على منافسة حقيقية على أسعار البيع بين الفاعلين في هذه الأسواق. كما يتعلق الأمر بإحدى السبل المثلى الكفيلة بضمان تموين منتظم للأسواق بهذه المنتجات وبأسعار منطقية من الناحية الاقتصادية.
اعتبر مجلس المنافسة، في رأي أصدره اليوم الاثنين، أن أسواق الغازوال والبنزين تتسم بنسبة عالية من التركيز سواء في المراحل الابتدائية أو النهائية لسلسلة القيمة، وذلـك بالرغم من دخول فاعلين جدد لم يسعف حجمهم وإمكانياتهم وأصلهم في ضخ دينامية تنافسية جديدة في هذه الأسواق.
وأبرز مجلس المنافسة، بشأن الارتفاع الكبير في أسعار المواد الخام والمواد الأولية في السوق العالمية، وتداعياته على السير التنافسي للأسواق الوطنية، وذلك بالنسبة لحالة المحروقات (الغازوال والبنزين)، أن بنية الأسواق وسير المنافسة بها ظلت شبيهة لتلك الموروثة عن الحقبة التي كانت تحدد فيها الأسعار من طرف السلطات العمومية.
وسجل المصدر ذاته أنه قد تبين من التحليل المنجز في إطار هذا الرأي أنه، باستثناء تحرير أسعار البيع، تواصل هذه الأسواق سيرها بنفس المخطط الإداري للتقنين وبنفس الإطار القانوني والتنظيمي، ونفس الفاعلين، وتقريبا نفس الصيغة في تحديد أسعار البيع، ونفس المساطر.
وأشار مجلس المنافسة إلى أنه يمكن تفسير هذا الوضع القائم بمستوى المردودية المالية المرتفع للغاية الذي يمكن أن يحققه هذا النشاط، والذي لا يشجع الفاعلين على التنافس بواسطة الأسعار في هذه الأسواق، طالما أن النتائج الإيجابية المتعلقة بحساباتهم المالية تظل مضمونة أو شبه مضمونة، بصرف النظر عن الظرفية أو عدد الفاعلين، هذه الوضعية تفسر، إلى حد كبير، غياب خروج أي من الفاعلين من هذه الأسواق طوال العشر سنوات الماضية.
وأضاف أن هذه الملاحظات تأكدت ببروز عنصرين، هما استقرار حصص السوق مع تغييرات طفيفة خلال الفترات المدروسة، والسلوكيات السلبية للفاعلين الذين قاموا بإبطال أية منافسة على أسعار البيع.
وعلاوة على ذلـك، يتابع المصدر، وفي الوقت الذي انخفضت فيه الأسعار عالميا سنة 2020 وفي النصف الأول من سنة 2021، لوحظ أن هؤلاء الفاعلين فضلوا مضاعفة هوامش ربحهم بدلا من السعي إلى الزيادة في حصصهم السوقية عن طريق تطبيق تخفيضات هامة في أسعار البيع.
ومن تم، وعلى ضوء ما سبق، يمكن استخلاص أن المنافسة على أسعار البيع في هذه الأسواق كانت شبه غائبة أو تم إبطالها.
ويشار إلى أنه طبقا لمقتضيات القانون رقم 13.20 المتعلق بمجلس المنافسة، اتخذ المجلس المبادرة للإدلاء برأيه بشأن الارتفاع الكبير في أسعار المواد الخام والمواد الأولية في السوق العالمية، وتداعياته على السير التنافسي للأسواق الوطنية، بالنسبة لحالة المحروقات (الغازوال والبنزين).
في هـذا الصدد، وبناء على أحكام القانون رقم 13.20 المتعلق بمجلس المنافسة والقانون رقم 12.104 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، وبعد الاستماع إلى المقرر العام والمقررين المكلفين بملف مبادرة الإدلاء بالرأي، خلال اجتماع الدورة الثامنة والعشرون للجلسة العامة، المنعقدة يوم 3 صفر 1441 الموافق لـ 31 غشت 2022، أصدر مجلس المنافسة هذا الرأي.
وفي ما يلي توصيات مجلس المنافسة المتضمنة في رأيه عدد ر/3/22 بشأن الارتفاع الكبير في أسعار المواد الخام والمواد الأولية في السوق العالمية، وتداعياته على السير التنافسي للأسواق الوطنية، وذلك بالنسبة لحالة المحروقات (الغازوال والبنزين):
– منح الأولوية لإعادة النظر، بصفة استعجالية ومعمقة، في الإطار وكيفيات تقنين أسواق الغازوال والبنزين؛
– تخفيف أكبر لشروط الولوج إلى أسواق الغازوال والبنزين في المراحل الابتدائية والنهائية لسلسلة القيمة من خلال التسريع من وتيرة تفعيل التوصيات الصادرة عن مجلس المنافسة سنة 2019؛
– إعادة النظر في الإطار القانوني والتنظيمي المنظم للعلاقات التعاقدية بين شركات التوزيع ومحطات الخدمة؛
– تشجيع تشجيع الفاعلين في أسواق الغازوال والبنزين على استخدام أدوات لتغطية المخاطر؛
– دراسة فرص الحفاظ على نشاط تكرير بالمغرب وتطويره؛
– توسيع نطاق النظام الجبائي المطبق حاليا على القطاعات المحمية، ليشمل أسواق توزيع المنتجات النفطية مع إقرار ضريبة استثنائية على الأرباح المفرطة لشركات استيراد وتخزين وتوزيع الغازوال والبنزين؛
– استبعاد أية عودة محتملة للدعم المباشر لهذه المواد وإرساء، عوضا عن ذلك، مساعدات مباشرة موجهة للسكان الأكثر هشاشة ومنح إعفاءات ضريبية ملاءمة لفائدة الطبقة الوسطى؛
– التسريع من وتيرة تنزيل استراتيجية الانتقال الطاقي.