الموطن24
في سياق دقيق يفرض ضرورة توطيد الثقة بين الدولة والمجتمع، وتحصين المكتسبات الدستورية التي راكمها المغرب منذ إقرار دستور 2011، تابعت الأمانة العامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد بالمغرب بكثير من الاستغراب
والانشغال التصريحات الأخيرة الصادرة عن وزير العدل والتي حملت موقفا مستنكرا إزاء مساهمة بعض المؤسسات الدستورية في النقاش التشريعي المتعلق بمشروع قانون المسطرة الجنائية. إن مضمون هذه التصريحات التي تقلل من شأن
تدخل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، يشكل انحرافا واضحا عن روح الدستور ومساسا صريحا بمبدأ المشاركة المؤسساتية الذي يعد من الركائز الجوهرية لنظامنا الديمقراطي فالدستور المغربي
لا يكتفي بالتنصيص على مبدأ فصل السلط، بل يؤسس لتوازنها وتكاملها وتعاونها وهو ما يجعل من تدخل المؤسسات الدستورية في النقاش العمومي والتشريعي ممارسة مشروعة ومحمودة، بل وضرورية لتقوية البناء الديمقراطي وضمان
التعدد في الرؤى والمقاربات. وتكفي الإشارة إلى ما نص عليه الفصل 152 من الدستور بخصوص حق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في إبداء الرأي بشأن السياسات العمومية والقوانين ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما ينطبق
بشكل واضح على مشروع قانون المسطرة الجنائية. إلى جانب ذلك، يعد دور الهيئة الوطنية للنزاهة محوريا في تقييم وتوجيه السياسات المرتبطة بمحاربة الفساد والإفلات من العقاب، وفق ما يخوله لها القانون التنظيمي رقم 113.12. وبالتالي فإن
تدخلها في مشروع قانون يحمل أبعادا عدلية وأخلاقية ومجتمعية يدخل في صلب اختصاصها ولا يمكن التعامل معه بمنطق الإقصاء أو التهميش. ما يثير القلق أكثر هو أن توجه مؤسسة حكومية تنفيذية انتقادات مباشرة وصريحة إلى هيئات دستورية
قائمة، بما يوحي بنزعة سلطوية تتعارض مع مسار الانفتاح والإصلاح المؤسسي الذي اختاره المغرب، فمؤسسات الدولة ليست خاضعة لوصاية وزارية، ولا تقيم بناء على مواقف شخصية، بل تؤطرها قواعد الدستور وتحكمها روح التعاون لا التنازع. فخطورة ما وقع لا تتوقف عند حدود التصريحات في حد ذاتها، بل فيما تفتحه من سوابق قد تهدد استقلالية
المؤسسات الدستورية، وتضعف إشعاعها، وتقلص من دورها كفاعل في البناء الديمقراطي ما لا يمكن السكوت عنه في ظل السياق الحالي الذي يستوجب تعزيز المسار الديمقراطي وليس تقويضه. ولا ننسى الديمقراطية التشاركية التي أقرها الدستور فهي ليست مجرد شعارات ظرفية، بل التزام دستوري واضح يمنح للمجتمع المدني، كما للمؤسسات الدستورية الحق في
المساهمة الفعلية في صنع القرار العمومي وإنكار هذا الحق أو محاولة تحجيمه، يمس جوهر التعاقد الدستوري الذي يربط الدولة بمواطنيها. وانطلاقا من مسؤوليتنا الحقوقية والدستورية، تعبر الأمانة العامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان
ومكافحة الفساد بالمغرب عن رفضها المطلق لأي تأويل ضيق أو موجه للدستور من شأنه أن يقصي المؤسسات، ويضعف المشاركة ويهمش الكفاءات المؤسسية وتدعو إلى ما يلي: ○التراجع الفوري عن التصريحات المسيئة واحترام اختصاصات المؤسسات الدستورية كما ينص عليها الدستور ○فتح تحقيق برلماني لتحديد خلفيات هذه التصريحات ومآلاتها ○تعزيز دور
المؤسسات في النقاشات التشريعية المصيرية، خصوصا ما يتعلق بالعدالة والحقوق والحريات ○التمسك بروح 2011 كمرجعية لإصلاح تشاركي جامع ○مناشدة جلالة الملك باعتباره الضامن لاستقلال المؤسسات، للتدخل من أجل صيانة التوازنات الدستورية.
إن ما نطمح إليه هو مغرب المؤسسات لا مغرب الأشخاص، وعدالة قائمة على الحوار لا على الإقصاء وتشريع يبنى على المشاركة لا على الاحتكار فاحترام المؤسسات هو الضمانة الوحيدة لبناء مغرب ديمقراطي حر، ومتوازن، يؤمن بأن الرأي الآخر قوة لا تهديد. إمضاء: عبد الرحمن خنوس الأمين العام للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد بالمغرب



