: متابعة وسيمة جمعون
كان لافتا سنة 2023 الحضور الوازن للمملكة المغربية في مختلف الأزمات العالمية، من خلال “مواقف عقلانية” تراعي بالأساس الوضع الإنساني الدولي، ولا تخرج عن مبدأ الحياد. في المنطقة العربية واصل المغرب هاته السنة إبداء سياسة اليد الممدودة في مختلف الأزمات، وتوفير مختلف الإمكانيات من أجل احتضان الحوار بين الفرقاء، إسهاما منه في تجنيب المنطقة ويلات الحرب. أما الأزمة الليبية بصم المغرب من جديد على موقعه الإقليمي البارز في حل الخلاف بين الفرقاء الليبيين من خلال احتضان اجتماعات “مكوكية”، ساهمت في تقريب وجهات النظر وفتح المجال للنقاش وتغليب منطق الحوار على الخلاف.
وكذا السودان كان المغرب سباقا، من خلال كلمة سفيره الممثل الدائم لدى الاتحاد الإفريقي واللجنة الاقتصادية لإفريقيا، للدعوة إلى وقف إطلاق النار بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، مع ضرورة العودة للحوار؛ وهي المواقف التي أعاد التأكيد عليها في المنتدى العربي الروسي، الذي عرف حضورا وازنا للخرطوم. وشكل هذا المنتدى أيضا فرصة ليعبر المغرب عن وجهة نظره في الملف اليمني الشائك، وهي ضرورة الحفاظ على سيادة واستقرار هذا البلد، مع دعم سلطة مجلس القيادة الرئاسي.
أما حرب غزة فكان المغرب واضحا منذ اندلاعها في ضرورة وقفها، مع استمرار مواقفه التقليدية في ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وحماية المدنيين وإيصال المساعدات لهم، مع وقف عمليات التهجير. وأما إفريقيا وضعت الدبلوماسية المغربية إطارا خاصا للتعامل مع الانقلابات الحاصلة في الساحل الإفريقي، من خلال مقاربة “الحياد الصارم”، مع الدعوة إلى الحوار وتغليب المصلحة الوطنية؛ قبل أن تستيقظ القارة السمراء على وقع إعلان الرباط المبادرة الأطلسية لفائدة هاته الدول، التي ستمكنها لأول مرة من الولوج إلى المحيط. ودوليا واصل المغرب سياسة الحياد في مسألة الصراع الأوكراني الروسي، من خلال إقرار التعاون الاقتصادي مع كل من كييف وموسكو، والالتزام بمواقفه التقليدية القاضية برفض عمليات ضم روسيا مناطق شرقية بأوكرانيا
. عبد اللطيف مستكفي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، يرى أن “مواقف المغرب تجاه القضايا والأزمات العالمية، التي تتسم جلها بالصراعات وعدم الاستقرار، مازالت وفية للعهد التاريخي، حيث تكون الرباط فاعلا وازنا”. وأظاف مستكفي أن “المغرب تميز مجددا بتقديم آليات الوساطة والحوار، وأيضا جهود المساعي الحميدة، من خلال المشاركة القوية في عمليات حفظ السلام، وتقديم المساعدات للدول خلال الكوارث الإنسانية والطبيعية”
. ولفت أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني إلى أن “المغرب هاته السنة كان حاضرا وبقوة في القضية الفلسطينية، سواء من خلال مواقفه أو على المستوى الميداني عبر تقديم المساعدات”. وقال المتحدث ذاته على أن “المغرب نجح في التدخل لحل أزمات بإفريقيا عبر بوابة الاستثمار الاقتصادي، متجاوزا بذلك المقاربة الأمنية والعسكرية”. كما أبرز مستكفي أن “المغرب ساهم هاته السنة أيضا في تقوية نموذجه الديني من أجل تعزيز التسامح والوسطية والاعتدال في ربوع العالم”
. و سجل لحسن أقرطيط، خبير في العلاقات الدولية أن “المغرب انطلاقا من التجربة التي راكمها في الوساطة وتقريب وجهات النظر في النزاعات عزز من حضوره في الملفات الدولية، وأكبر دليل هو الأزمة الليبية”. أن “المغرب نجح هاته السنة في زيادة نسبة تقارب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين، وذلك وفق القانون الدولي بعيدا عن أي أجندات سياسية تذكر، خلافا للعديد من القوى العالمية”. كما بين المتحدث ذاته أن “المغرب كان حاضرا بقوة في مسألة الدبلوماسية الأمنية، حيث حظي بشرف تنظيم لقاء ‘إنتربول’ سنة 2025، الأمر الذي يوضح مدى أهمية المملكة على المستوى العالمي أماعلى مستوى الأمم المتحدة كان المغرب حاضرا بقوة هاته السنة من خلال احتضان لقاءات أممية مهمة، أو إبداء مواقف شجاعة وحكيمة داخل القبة الأممية”.
كماخلص الخبير في العلاقات الدولية إلى أن المغرب كان بشكل عام حاضرا في كل القضايا الشائكة حول العالم، ما يؤشر على تحوله إلى أحد اللاعبين الدوليين المهمين في السياق العالمي الحديث .