[success]المواطن 24/و.م.ع[/success]
عشية يوم الجمعة 05 مارس 2021 تم التصويت على مشروع القانون التنظيمي رقم 04.21 يقضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب؛ والذي تقدمت كل الأحزاب الممثلة بالبرلمان من معارضة وأغلبية باستثناء حزب العدالة والتنمية واليسار الاشتراكي الموحد، بتعديل يمس المادة 84 منه والتي كانت تنص على أن:” … المقاعد توزع على اللوائح بواسطة القاسم الانتخابي، ثم بأكبر البقايا، وذلك بتخصيص المقاعد الباقية للوائح التي تتوفر على الأرقام القريبة من القاسم المذكور.”، وينص التعديل المقترح على أن المقاعد: “توزع على اللوائح بواسطة قاسم انتخابي يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين بالدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها. وتوزع المقاعد الباقية حسب قاعدة أكبر البقايا….”، وما زاد الطين بلة هو تضمين نفس المادة تعديلا يزيل عتبة 3% التي كانت متضمنة في النص الأصلي، بحيث أصبحت عملية توزيع المقاعد لا تتطلب أي عتبة.
تأتي هذه التعديلات رغم مرور أزيد من نصف قرن على الممارسة الانتخابية بالمغرب حيث لا زالت قواعد اللعبة غير مستقرة ويتم تعديلها عشية كل استحقاق انتخابي، وإن كان هذا التغيير محمودا لأنه يطور المنظومة القانونية للعملية الانتخابية والممارسة الديمقراطية ككل، إلا أنه من جهة أخرى ينبغي على هذا التغيير ألا يستخدم للتأثير المسبق على نتائج الانتخابات المقبلة وفق لحسابات وأمزجة جهات معينة، وأن يكون التغيير معياريا ومحايدا.
وبالعودة إلى النقاش الدائر حاليا حول القاسم الانتخابي نستغرب من هذا التعديل الذي تقدمت به كل الأحزاب الممثلة بالبرلمان باستثناء حزبي العدالة والتنمية واليسار الاشتراكي الموحد والقاضي باحتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، وليس بناء على عدد الأصوات الصحيحة كما هو معمول به في أغلب الأنظمة الانتخابية، وكما هو منصوص عليه بالمادة 84 من القانون التنظيمي لمجلس النواب قبل تعديله، ويزول هذا الاستغراب عندما نجد أن خلفه بعض الهيئات السياسية التي كانت وراء بلوكاج 2016، مما يعني أن هذا المقترح يندرج في نفس السياق والغايات لكن هذه المرة باعتماد بلوكاج قبلي وليس بعدي.
وكان الأولى أن يتم البحث والابتكار في وسائل الرفع من نسب المشاركة، والرفع من منسوب الثقة لدى الناخبين في العملية الانتخابية، وتكريس الممارسات السياسية الديمقراطية كمفهوم كوني، في المقابل نلاحظ أن تضخيم القاسم الانتخابي يعمل على الالتفاف على روح الديمقراطية بإفراغ التصويت من مضمونه. وهو ما سيدفع إلى تقليص المشاركة السياسية لحدود غير مسبوقة، حيث ستزيد قناعة عدم أهمية التصويت في إفراز الطبقة السياسية التي ستدبر أمور البلاد.
وسيمكن المصوتين الممتنعين عن التصويت بالتحكم في مصير المصوتين المشاركين، على اعتبار أن الممتنعون هم الأغلبية. كما سيسمح بإجازة قواعد غير ديموقراطية بأدوات حزبية غير مستقلة في قراراها، مما سينسف آخر أدوات الانتقال الديمقراطي بالمغرب. ويؤدي إلى بلقنة المشهد السياسي أكثر مما هو عليه الآن، مما سيصعب عملية تشكيلة الحكومات وإرضاء القيادات الحزبية. علاوة على اضعاف الأحزاب الكبيرة وضرب مبدأ التمايز الأيديولوجي وتكوين أقطاب حزبية كبيرة كاليسار واليمين والوسط.
كما أن اعتماد لائحة المسجلين كأساس لاحتساب القاسم الانتخابي تصطدم بعدم صدقية تلك اللوائح التي تتعرض باستمرار لانتقادات واسعة بسبب عدم دقتها وغياب آليات لتحيينها بشكل مجرد وواضح، وهو ما سينسحب أيضا على القاسم الانتخابي المستند إليها.
أما قضية الدفاع عن الأحزاب الصغرى وحقها في الوجود فهو حق أريد به باطل، إذ أن ما يقرب من نصف الأحزاب التي شاركت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة أي 12 حزب سياسي من أصل 27 حزب حصلت على مقاعد بمجلس النواب، وهو رقم كبير في بلد لا يتخطى عدد المصوتين به 6 ملايين شخص.
في المقابل يمكن للحفاظ على حقوق الأحزاب الصغيرة استخدام بعض التقنيات المعتمدة من طرف بعض الديمقراطيات في العالم مثل: طريقة سانت ليغو المبتكرة منذ سنة 1910، والمعدلة سنة 1951، والتي تطبق بكل من النرويج والدانمارك، وطريقة العالم البلجيكي فكتور يهونت، المطبقة في كل من فنلندا وألمانيا واسبانيا والبرازيل، وكلا الطريقتين تحسنان فرص الأحزاب الصغيرة في الحصول على مقاعد برلمانية، كما تؤدي إلى زيادة عدد الأحزاب الممثلة في المجلس قياسا إلى طرق التوزيع الأخرى.
ولعلنا سنسمع بعد مدة غير طويلة خروج بعض من دعم هذا التعديل ولم يستفد من مساهمته لفضح اللعبة كما حدث مع أحد الأمناء العامين لحزب سياسي وطني عريق عندما ادعى أن رؤساء أحزاب تداعوا إلى اجتماع ليلة 8 أكتوبر 2017، بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات بيوم واحد، ليتداولوا في قرار الإعلان رفضهم جميعا المشاركة في حكومة يرأسها العدالة والتنمية وتوجيه ملتمس للملك بتعديل الدستور، والتي قال الأمين العام المذكور أنه رفضه، وانفض الجمع بلا قرار.