ا لحسن كوجلي
استيقظت ذات صباح على رنة هاتف، يخبرني فيها صديق عزيز، برحيل مسؤول سابق إلى دار البقاء، وذلك بعد صراعه المرير مع مجموعة من الأمراض المستعصية، و الفقيد بالمناسبة واحد من بين ثلاثة آخرين الذين لن اسامحكم إلى ان يطهرهم الله تعالى بالعقاب أو البراءة. و حرص الصديق على إخباري بهذا النبأ، كونه عالم بكل تفاصيل ما سقاني اياه هذا الشخص من شرور و مكائد، و صلت واحدة منها الى حد رميي بتهمة واهية كادت ان تقودني الى الهاوية. الراحل، بعد هكذا خبر، يقف بين ايدي الله تعالى، ضعيفا، منزوع السلطة و الصفة، و ما كان يجاهر به من قوة وسلطة، مجرد من كل الامتيازات التي كانت ترفعه في الدنيا مقاما عند جمهور من الخلق الضعيف.
لأول مرة أشعر بأني لا أحس بوفاة انسان، و لا أهتم بفراقه و هجرانه، و لا يقدر لساني حتى ان يدعو له بالرحمة والمغفرة كما يلزمنا ديننا الإسلامي عليه. الفقيد، كان وقت تجبره، ضخم البدن، حقود حسود، متلون التعامل والاستغلال، كان ضعيف التكوين، ببصيرة عمياء عن رؤية الحق، يستقوي على البسطاء بالمكر والخداع إلى ان جاءه امر الله و ضيق عليه بشديد الضعف، و دب في بدنه وجع قضى على حياته و رحل إلى حيث يرحل الجميع.
وفاته أحيت ذكراه في نفسي، رحلت بها إلى سنوات خلت، حيث كان يتحكم في مفاصل وحياة كثير من الناس، كيف كان يقسو على البعض، و كيف كان يستغل البعض الاخر، و كيف كان يمشي في الأرض مرحا، و كيف كان يعرض البعض للهلكة، و كيف كان ينشر العداء بين الناس.
و انا انظر إلى بعض المشاهد التي كانت تتحدث عن آخر مراحل حياة هذا الرجل و هو في فراش الموت، ضعيف البنية، منهار القوى، يتلوى من شدة الالام، بملامح تقترب من الموعد المخيف، أتساءل عن دوافع المرء لفعل الشر و احتقار الغير و ظلم الناس و تعديبهم، و لو انه مدرك بالمصير
المحتوم، ضعف فقوة فضعف ثم هلاك ومن بعد ذلك حساب عسير. وفاة مسؤول ايقض في ذاتي ذاك الشيطان الذي حاولت أن اطرده حتى لا يتملكني يوما. نهاية رحلت بي إلى زمن اجتهدت كم كذا مرة لأنساه إلى الابد، إلى حقبة مهنية، يسعى فيه علاة الأمر لاسترقاء المستضعفين و تهميش اعزة النفس وابعادهم من محيطهم و من دائرة المشاركة في الحكم واتخاد القرار. وأمام هول ما جناه علي الهالك من سوء المعاملة، ومن رغبته في اذلالي و كسر طموحاتي ، و من قبحه تجاه الاخرين، أقف متأسفا لعدم تملكي لقرار المحافظة على انسانيتي و السماح له عن كل ما صدر عنه من قسوة وخشونة، في انتظار رحيل الباقين.