Almouaten 24 -المواطن 24
بدون أسماء ولا أرقام مجرد ذكرى لصلة الرحم مع زمن الطفولة…. إحياءا لذكرى أباء وأمهات حي لبلوك. سفر عبرالزمن لمعانقة حينا كما احببناه. كلما قمت بجولة بمدينتي الطيبة “بأهلها”، يحملني الحنين لزيارة حينا العمالي، حي أصبح ندب يتوسط جسم مهترئ من الأسمنت المتمترس وكأنه أطلال حرب ضروس، فترجع بي الذاكرة لزمن بعيد…، أيام الطفولة، سنوات أواخر الخمسينات و بداية الستينات، حيث كان الحي (لبلوك كما كان يسمى)، عبارة عن لوحة طبيعية بلون زنيكة “الكركاز”، متناسق البنيان نظيف الأركان، يعج بحيوية الشبان، رغم افتقاره بتعبير الآن…، لأدنى شروط العمران.
كان
يسمى فلاج الشلوح، و يحكى ان في بداية استغلال الفوسفاط كانت اليد العاملة نادرة، وأبناء البوادي المجاورة، يتركون المناجم، موسميا، ليعملوا بالحقول مما كان يربك سير الإنتاج، فنهج المكتب سياسة جلب العمال من المناطق النائية والجبلية، وأمن لهم الإستقراربالمنطقة، حيث وفر لهم ظروف السكن، لم يقرضهم المال ولا فوت لهم المجال، بل مدهم بالمواد الأولية للبناء، (حجر اسمنت و قزدير)، فتكلف العمال ببناء “منازلهم”، كما رخص لهم ببناء مسجد متواضع لممارسة طقوسهم الدينية، لا زال يتواجد بالحي، داخل أسواربناية حديثة للتعليم.
بعدها قام المكتب ببناء منازل، حسب معايير خاصة بالطبقة العاملة، على هظبة ما بين مجارى واد كشكاط، تحيط به بأشجار الكاليتوس والصنوبر والتوت، فاكهة طالما استمتعنا بها ونحن صغار. كانت هندسة المنازل بسيطة، غرف ضيقة، أرضية ترابية غير مبلطة، وأسقف من الزنك، بدون واد الحار ولا مراحض، فالمراحض كانت جماعية بشمال الحي، شيء عادي بالنسبة لنا نحن من كنا نكتفي بالهواء الطلق، بمجال مطرح الحي (الحفرة)، خلف الطاحونة والفران حيث رائحة الخبر
ممزوجة بنكهة الفحم الخشبي، كانت حينها عربة يجرها بغل و يقودها عامل، مخصصة لجمع النفايات، طيلة الأسبوع. في هاته البيئة البسيطة، نشأنا وترعرعنا، بين أسر من مختلف جهات الوطن، حيث مزيج من التقاليد والعادات و اللهجات، مما ساهم في نسج علاقات وطيدة بين أسر العمال، و خلق جو ملئ بالإنسجام والتكافل…. هذا التعايش، نتج عنه مجتمع غني
باختلاف تقاليده وثقافاته، و أنتج رجال مناضلين أقوياء بمبادئهم ونساء مربيات، يتمتعن بروح المسؤولية والجدية، منهن من امتزن بروح الدعابة، ومن امتلكن وعي نقابي قوي، فأنجبن أجيال أعطت الكثير في مختلف الميادين. ولتحفيز العمال على التركيز على عملية الإنتاج، نهج المكتب سياسة تقريب الخدمات الإدارية والاجتماعية من الحي. ولد لبلوك ( يتبع)



