[success]المواطن24[/success]
منظومة الحكامة المبنية على أقطاب جغرافية للحكامة المحلية، يلعب داخلها البعد الاقتصادي والإيكولوجي وحتى الاعتبارات السوسيو – ثقافية دوراً أساساً، وورشاً مطروحاً منذ عقود. لكن المسلسل عرف تطوراً نوعياً حينما تم تنصيب لجنة استشارية من طرف الملك محمد السادس في 2010 لوضع تصور جديد مبني على معطيات موضوعية وعلى تجانس حقيقي داخل الجهات؛ الهدف الأسمى من كل ذلك هو إبراز أقطاب قائمة بذاتها، قادرة على استعمال مؤهلات المنطقة، وعلى خلق الثروة والنمو بطريقة مستديمة كفيلة بالتجاوب مع طموحات الساكنة المحلية.
منظومة الجهوية التي كانت سائدة آنذاك كانت مبنية على اعتبارات أصبحت الآن متجاوزة.
لهذا ركزت اللجنة الاستشارية لـ2010 على تجاوز هذه العقبات والعمل على إخراج جهات أكثر قابلية للحياة وأكثر قدرة على التدبير الاستراتيجي لقضايا التنمية المحلية. هكذا قامت بدراسة للتداخل الاجتماعي والاقتصادي والتجاري بين أقاليم ومناطق بعينيها، ورصد كثافة هذا التداخل عبر مؤشرات محددة بطريقة موضوعية وبناء على معطيات دقيقة. النتيجة هي 12 جهة متكاملة ومتوازنة ومتجانسة ولها من الإمكانيات الاقتصادية والجغرافية الإيكولوجية والسوسيو – ثقافية ما يجعلها تصير أقطاباً حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
عشر سنوات بعد القيام بهذه الدراسة، وسبع سنوات بعد إخراج القانون الخاص بالجهوية، وست سنوات بعد انتخاب وتنصيب المجالس الجهوية، ما هي الحصيلة؟
نعم، هناك تقدم وعملية بناء متأنية، لكن الحصيلة كانت دون انتظارات السكان والدولة والفرقاء الاقتصاديين لأسباب جلها موضوعية، والبعض منها سياسية وذاتية.
تطلبت عملية إخراج النصوص التطبيقية، ووضع وتقوية دور الوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع، وإخراج المونوغوافيات التي تتناول بالدرس والتحليل مؤهلات ومقومات ونواقص الجهات، ومخططات التنمية الجهوية، والمخططات الجهوية لإعداد التراب الوطني وقتاً طويلاً لم يكن منتظراً.
كما أن انتخابات 2016 لم تبرز عموماً على مستوى المجالس، مع وجود بعض الاستثناءات هنا وهناك، نخباً محلية قادرة ومتمكنة من تدبير الشأن المحلي بطريقة استراتيجية مبنية على رؤى بعيدة ومتوسطة المدى، ومبنية على أهداف مرقمة وقابلة للتحقيق وتعبئة الفرقاء ومن يهمهم الأمر والموارد الذاتية والشراكات لخلق شروط التنمية المستدامة المنشودة.
على مستوى آخر، بلغت قيمة ما تتطلبه المشاريع المدرجة في مخططات التنمية الجهوية من تمويل محتمل حوالي 420 مليار درهم (أي ما يعادل 42 مليار دولار)، بينما لم تحول الدولة لصالح الجهات إلا حوالي خمسين مليار درهم (أي خمسة مليارات دولار). كان من المنتظر أن تنمي الجهات مواردها الذاتية، وأن تدخل في شراكات مع القطاعات الوزارية للتمويل المشترك للمشاريع، وأن تجلب الاستثمار الخاص والأجنبي لإخراج المشاريع ذات المنفعة الاقتصادية إلى الوجود، ولكن هذا لم يحصل بشكل واضح وقوي.
هناك من يعتبر أن السنوات الخمس السابقة كانت مرحلة البناء، وبعد 2021 ستمر الجهات إلى مرحلة الإنجاز ودعم القدرات وتنزيل المخططات الجهوية. ما جرى إنجازه في مرحلة البناء هاته لا يمكن الاستهانة به. لقد تم اعتماد المخططات الجهوية لإعداد التراب على الأقل في ثلاث جهات (فاس – مكناس، والداخلة – وادي الذهب، وقريباً كلميم – واد نون). («الجهوية: سنة 2021 سنة الانطلاقة الحقيقية، ميديا 24.26 يناير/ كانون الثاني 2020). وهذه الآلية هي التي ستضمن تحديد الأوعية العقارية، ودورها الاقتصادي والتنموي، وستعطي تصوراً جهوياً لقضايا التعمير والنشاط الاقتصادي وتوجيه الاستثمار، عمومياً كان أو خاصاً.
من جهة أخرى، اعتمدت كل الجهات إلا جهة درعة – تافيلالت المخططات الجهوية للتنمية. تعتبر هذه المخططات آلية مهمة للتخطيط لأنها وُضِعت على أساس دراسات دقيقة لمؤهلات الجهة ونواقصها وأين يجب تركيز جهود التنمية.
قد تبدو هذه المخططات طموحة بشكل أكثر من قدرة الجهات على تطبيقها وإخراجها للوجود، ولكنها أساسية للتدبير الاستراتيجي على مستوى الجهات. إنها تصطدم بضعف التمويل وعدم وجود رؤية جهوية لكيفية تنويع مصادره وتعبئة الشركاء والمستشارين والمانحين الوطنيين والدوليين.
جرى كذلك وضع وكالات التنمية الجهوية في إحدى عشرة جهة من أصل اثنتي عشرة. وهذه الوكالات، (المصدر نفسه)، إن جرى إعطاؤها القدرات الكافية والموارد اللازمة، وتم تدبير عملها تدبيراً جيداً وتحسين حكامتها، ستصبح هي اليد اليمنى لدى المجالس لتنفيذ مخططاتها وتتبع الإنجاز.
ولكن على الدولة كذلك القيام بدورها في تخفيف أعباء الجهات وضمان تزويدها بالموارد اللازمة؛ مساهمة الجهات في برنامج تقليص الفوارق المجالية، الذي يبلغ 40 في المائة من ميزانية الصندوق المخصص لهذا الغرض، ومساهمتها في برامج فك العزلة، وتحسين العرض التربوي والصحي يجب أن ترافقه مجهودات، من أجل ابتكار وسائل جديدة مثل التمويل الجماعي والجبايات الجهوية والصكوك والسندات والقروض المضمونة، وتثمين العقار وتطوير ممتلكات الجهات والشراكات الدولية، ومع القطاع الخاص، من أجل تعويض النقص في الموارد، وهذه أمور تقتضي مواكبة مركزية من الوزارات التي لها كفايات في هذا المجال. وتقتضي كذلك التسريع باعتماد اتفاقيات بين المركز والجهات (تم اعتماد اثنتين فقط واثنتين في الطريق). (المصدر نفسه).
يجب كذلك الإسراع بتفويت الاختصاصات من المركز إلى الجهات، وهو عبارة عن ورش طال انتظاره.
اعتماد ميثاق اللاتمركز الإداري في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 كان حدثاً مهماً في طريق بناء صرح الجهوية في المغرب. وهو عبارة عن منظومة للتدبير الإداري تواكب التنظيم الترابي اللامركزي المعتمِد على الجهوية المتقدمة وآلية أساسية لتفعيل السياسة العامة للدولة على المستوى الترابي (مرسوم رقم 2 – 17 – 618 الجريدة الرسمية رقم 6740). إخراج القانون الجديد الخاص بالمراكز الجهوية للاستثمار في 21 فبراير (شباط) 2019، الذي يكرس استقلاليتها ويعطيها دفعة قوية للقيام بدورها في جلب وتدبير الاستثمار بتنسيق محكم مع اللجنة الجهوية للاستثمارات ذات الصلاحيات الواسعة والواضحة حدث مهم كذلك. إذا أضفنا إلى هذا حولي ستين مرسوماً وقراراً تم نشرها لمرافقة ورش الجهوية نجد أن الترسانة القانونية اقتربت من الاكتمال.
بقي دور الأحزاب في الدفع بمرشحين أكفاء ونزهاء ولهم من القدرة التدبيرية ما يمكنهم من تأثيث مجلس الجهة ومكتبه ورئاسته ولجانه بنجاعة وقوة وتبصر.
التجربة الحالية كانت مرحلية وأتت في ظروف سياسية تم تجاوزها في مغرب 2021. آن الأوان لتثمين ما تم القيام به، ولكن كذلك لتدشين القطيعة والمرور إلى ممارسات جديدة مبنية على التخطيط والتتبع والإنجاز وتعبئة الموارد والمشاركة المواطناتية، الكل من أجل تحقيق حلم جهات/أقطاب متطورة وفاعلة وخالقة للثروة والتنمية المستدامة.