مريم بوفنان
يصادف ثاني فبراير من كل عام، الاحتفاء باليوم العالمي للأراضي الرطبة. يوم يراه الناشطون في مجال البيئة غير كاف لإنقاذ هذه المناطق الطبيعية، بالنظر إلى دورها الحيوي في سيرورة الحياة وعديد النظم البيئية.
هناك في المغرب مايفوق 350 منطقة رطبة طبيعية ومشيدة كالسدود والبحيرات التلية.
“لكن من يحمي تلك المناطق هم قلة” في وقت تتعرض فيه للاندثار جراء عوامل طبيعية وبشرية متباينة، حسب ابراهيم حدان، المنسق الجهوي للائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة.
حان الوقت لاستعادة الأراضي الرطبة
“حان الوقت لاستعادة الأراضي الرطبة”، شعار رفعته هذا العام، مبادرة المناطق الرطبة المتوسطية “MedWet” بهدف زيادة الوعي العام، عن الأهمية الكبرى التي تمثلها المستنقعات و(الضايات) في حياة الإنسان.
هذا في وقت تختفي فيه بمعدل أسرع بثلاث مرات من الغابات. كما إن أكثر من 35 في المئة من الأراضي الرطبة حول العالم تدهورت أو اختفت منذ سنة 1970.
شعار يراه الدكتور سعيد لحروز “جيدا جدا وفي محله”. لحروز الناشط البيئي والباحث في علم الطيور، تحسر في حديثه إلى “مدار 21” على المناطق الرطبة ومآلها في البلاد. “فقدنا وطنيا عدة مناطق رطبة بفعل عوامل مناخية وبشرية”، يقول الباحث.
لقد حان الوقت فعلا لاستعادة الأراضي الرطبة، بحسب خبراء وناشطين بيئيين، من بينهم أيوب كرير، رئيس جمعية “أوكسجين للبيئة والصحة” في القنيطرة. هاته المدينة التي تنتمي إلى واحد من أهم أقاليم المملكة إيكولوجيا وبيئيا.
يضم إقليم القنيطرة مجموعة من المستنقعات والأراضي الرطبة المهمة. وتتواجد به ثلاث محميات مسجلة ضمن لائحة “رامسار” الدولية. هي محمية “سيدي بوغابة” في مدينة المهدية، ومحمية المرجة الزرقاء في جماعة “مولاي بوسلهام”، المسجلتان ضمن اللائحة المذكورة عام 1980. ثم محمية “مرجة الفوارات” في مدينة القنيطرة، المسجلة سنة 2018.
يقول كرير الباحث في التنمية المستدامة، إن أهمية الأراضي الرطبة، تكمن في إسهامها الكبير في التخفيف من وطأة التغيرات المناخية.
أدوارها في خفض انبعاث الكربون
يدخل توالي فترات الجفاف في تصنيف التغير المناخي. جلل أثر على مناطق رطبة في المغرب جفت، وباتت عرضة للاستيلاء عليها من طرف الساكنة المجاورة، التي تحولها في الغالب إلى أراض زراعية وأماكن للرعي.
“أذكر هنا على سبيل المثال ساكنة وادي اللوكوس، وكذلك الحال بالنسبة لضاية عوا، التي تعرضت مياهها الجوفية للاستنزاف جراء المزارع المجاورة، ففقدت دورها الإيكولوجي”، يقول الفاعل البيئي سعيد لحروز.
دور إيكولوجي مهم جدا، كحل طبيعي لتخزين الكربون وتقليص نسب تلوث الهواء. فالأراضي الرطبة الصحية تلعب دورا حاسما في مكافحة الاحتباس الحراري. لكن تدميرها يعد خطرا أكبر، ذلك أنها تطلق كافة مخوزنها من ثاني أكسيد الكربون، ما يزيد من تركيز غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي.
المناطق الرطبة بلغة الأرقام
تسحب المناطق الرطبة ثاني أكسيد الكربون وتخزنه في كتلتها الحيوية ثم في رواسبها، بمعدل يفوق 10 إلى 20 مرة مقارنة مع الغابات.
تمتص الأراضي الرطبة الساحلية، من قبيل الأراضي المتواجدة في القنيطرة، نحو 100 إلى 200 غرام من ثاني أكسيد الكربون لكل متر مربع سنويا، حسب مرصد المناطق الرطبة المتوسطية وجامعة “بربينيان” الفرنسية.
أما أراضي الخث التي تغطي مساحة 3 بالمئة فقط من كوكب الأرض، فتخزن حوالي 30 بالمئة من الكربون الموجود على اليابسة. أي أنها تخزن ضعف كمية الكربون الموجودة في جميع الغابات، علما أن هذه الأخيرة لاتخزن سوى أقل من 10 غرام ثاني أكسيد الكربون لكل متر مربع سنويا.
في المغرب مايفوق 350 منطقة رطبة طبيعية ومشيدة. حدد المغرب 38 موقعًا منها لرامسار، بمساحة إجمالية قدرها 316.086 هكتارًا. سجل بعضها في العام 1980، والقسم الأكبر في العام 2019.
وتعد مدينة افران الواقعة في قلب جبال الأطلس المتوسط ثاني مدينة عربية وشمال أفريقية تدخل قائمة مدن الأراضي الرطبة المعتمدة العام المنصرم، من قبل اتفاقية رامسار، بعد مدينة “غار الملح” التونسية.
تضم إفران 300 هكتار من الأراضي الرطبة الطبيعية، و 36 هكتارًا من الأراضي الرطبة المشيدة، بما في ذلك أراض ذات أهمية دولية، منها واد تزكيت التي ولجت قائمة “رامسار” عام 2019، وقبله بحيرة أفنورير بعين اللوح (عام 1980).
لأجل منطقة متوسطية مستدامة
تمتاز الأراضي الرطبة بوظائف حيوية مهمة بالنسبة لكوكب الأرض. وكان الإنسان حتى وقت قريب، يتعامل معها على أنها “معضلة”. فتعرضت مياهها للتجفيف، واجتُث نباتها من الجذور، وكُشط طميها الثمين. لتتحول في نهاية المطاف، إلى بقع أرضية جرداء، أقيمت فوقها مدن ومبان ومشاريع سكنية. في حين أنها – في أصلها- تعد درعا لمحيطها من أي فيضانات محتملة أو انجراف للتربة.
تقوم كذلك بدور مهم في التنمية المستدامة، كمتنفس بالغ الأهمية للإنسان، على غرار ساكنة القنيطرة، يقول أيوب كرير، بالنظر إلى تخزينها لانبعاثات الكربون من الجو، ما ينعكس إيجابا على الصحة العامة خاصة من يعانون أمراضَ تنفسية.
كما إنه – عن طريق حماية ورعاية هذه المناطق – يمكن أن تصبح مشروعا وطنيا كمزار سياحي إيكولوجي مدر للدخل، ويمكن أن توفر أيضا فرص شغل مستدامة للسكان المحليين.
بالمقابل، طالب سعيد الحروز بضرورة التحرك سريعا لاستعادة ما يمكن استعادته من هذه المناطق الرطبة وحمايتها لتقوم بأدوارها المهمة أولا على صعيد الحد من آثار التغيرات المناخية، وثانيا ضمان الأمن الغذائي الوطني وكونها آخر موطن لبعض الكائنات المهددة بالانقراض.