#متابعة الشاعر الزجال مراسل #المواطن24 الاعلامي عبد الله الأنصار
تقوم كل مقاربة نقدية تسعى إلى التجرد من الأحكام الانطباعية الفوقية الجاهزة على خطوتين أولاهما تتعامل مع النص على أنه كلية دالة totalité signifiante من خلال رؤية ماكروسكوبية تقرأ العلامات المحيطة به والمؤدية إليه، والثانية خطوة تجزيئية تعتمد رؤية ميكروسكوبية تفكك النص إلى عناصره من ألفاظ وجمل لرصد أبعادها الدلالية والجمالية ومساهمتها في تشكيل المعنى العام.
وفي غياب مصدر النص وعناصر التوثيق وبقية العلامات التي تشكل مادة لتصفيح (bardage) النص من خارجه، لا مفر من أن نكتفي بالعنوان مدخلا للقراءة، ليس فقط باعتباره عتبة (ماقبلية) ولكن باعتباره مؤشرا استراتيجيا لقراءة النص واستكشاف أبعاده. فالعنوان “شفاه ميتة” مركب وصفي من موصوف (شفاه) وهو جمع لغير العاقل ومن صفة (ميتة) وردت في صيغة مفرد مؤنث لأنها تصف جمعا لغير العاقل.
ومادام الموصوف (شفاه) غير عاقل والصفة (ميتة) تحيل في معناها المعجمي على الكائن العاقل (الإنسان) فإذن جمعتهما علاقة مجازية قائمة على المشابهة، ومادام المشبه به (الانسان) محذوفا فالظاهرة البلاغية إذن استعارة، الأصل فيها : (شفاه ماتت كما يموت الانسان).
ولتفسير وجه الشبه يكفي أن نستحضر خاصيات و وظائف الشفاه و هي عضلة من عضلات الجسم تؤدي وظائف كثيرة منها الوظيفة الصواتية فبعض الحروف لا تتشكل إلا بحركة الشفاه اغلاقا أو فتحا أو مدا من قبيل (و/ف/ ب/ م). وبالتالي فالشفاه أداة لنطق الكلمة أي إنتاج الصوت وهو حامل الكلام المعبر به عن رغبة ما، زيادة على وظيفة الإغواء والإغراء، باعتبارها من أساسيات العلاقة العاطفية، لكن لننتبه إلى أن المقصود بالشفاه هو صاحبها أي الذات ككل، وبالتالي فنحن أمام مجاز
مرسل علاقته الجزئية (فقد استعملت الشفاه وقصدت الذات من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل). ولنلاحظ أن النص استهل ب (شفاه ميتة) عنوانا، كما ختم بها في آخر عبارة، وكأن العنوان يشكل مفتاح ولوج النص وقفلا لإغلاقه.
فما علاقة المتن الذي يتوسط بين عنوان النص وخاتمته بدلالة العنوان؟ أيُشكل النص علاقة سببية أي تفسيرا وتعليلا لسبب فقد هذه الذات لقابلية الإحساس وذلك بفقذ الشفاه لوظيفة الاستجابة (النطق والتعبير والإغواء الاحساس بالقبلة).؟ للوصول الى الجواب نمر إلى عملية تفكيك النص مع الإشارة إلى أنه اتخذ قالبا سرديا قوامه حدث يتوزعه الفعل الماضي ( دنوتُ/
فسختُ/ صافحتُ..الخ) يعقبه المضارع الدال على الحاضر(تلتهم/تخاتل/تناوش…). وتوظيف البنية السردية يُمكِّننا من توزيع الحدث بين ثلاث محطات: استهلال فيه تتبنى الساردة ضمير المتكلم للدلالة على أنها شخصية مشاركة:
(دنوت..ذاكرتي…خاصري.صافحت) ثم تختفتي لتفسح المجال لراوٍ من الخلف موظفة ضمير الغائب (وعد/ هو خبير/يعرف/ يلملم/ قال/ وإنه…الخ) وذلك دلالة على أن الساردة عليمة بأحوال الآخر وبما يُظهر وما يُبطن، وكأنها تنجز عملية استكشاف لحقيقته الخفية).
لتختم في آخر محطة بلحظة تأمل وحيرة تستهلها بجملة تعجبية، تلخص موقفًا نهائيا: (فما جدوى اللقاء والبقاء؟). وبمجرد أن نفتت كل مقطع من مقاطع النص إلى عناصره المعجمية تستوقفنا ظاهرة الصفات ( شاردة/مثقلة/ المتبقية/ الجرداء/
الهاربة..الخ) كما يستوقفنا تكرار ألفاظ بعينها (الوعد/ وعدني/ دياجر الوعد) يليها (ذلك الحلم/ أحلامي الهاربة/الحلم الموؤود..) ثم (آخر لقاء/لقاء وهمي/ جدوى اللقاء والبقاء). وهذا الثالوث المعجمي يتبخر في المقطعين الأخيرين ليعقبهما معجم يحيل على الطبيعة (صخر/ القمر/ الشمس / رابية/ المطر / السماء) نلاحظ أن بينه وبين معجم البدايات علاقة
تقابلية فالماضي حافل بالوعود والحاضر يحيل على إخلاف هذه الوعود (في مهب الريح /مهجور) ويتوسطهما معجم دال على التبرير وإيجاد الأعذار ( تتكرر فيه لفظة “قال” بشكل لافت). مما يجعلنا نستنتج أن النص تمحور حول تيمات ثلاث ( الوعد/ إخلاف الوعد/ التبرير).
وهذا المعجم يشكل مادة لتركيب جمل مثقلة بالوصف، تهيمن فيها الجمل المركبة مما أفقد الإيقاع فاعليته، على الرغم من مقاطع بها بعض التكرار والتجانس اللفظي (قُبلة/ قِبلة- الريح/ الكسيح)..و مع ذلك فهو تكرار خدم المعنى كما خدمته الصورة الشعرية التي وظفت فيها الاستعارة أكثر من بقية الظواهر البلاغية (سفح ذاكرتي/ زناد الوعود/ ملامح الأطياف/ ظنوني البريئة/ الشمس تمتمت..الخ) مع قليل من المجاز والكناية( خلعت عذريتها).
كما أبدعت الشاعرة صورا عمدت في جلها إلى شخصنة عناصر الطبيعة الصامته ( المطر خان/ الربيع تعرى.. الخ)، مما منح الصورة خاصية الخلق والابتكار وخلصها من الاستهلاك والاجترار
. فتشكل من كل ذلك أسلوب شعري قائم على الانزياح لتصوير المشاعر الداخلية. نخلص إذن إلى أننا أمام قصيدة ذاتية توفرت بها كل مقومات الطابع الرومانسي ( العاطفة/ الذات/ الألم/ الطبيعة ) على غرار جل نصوص الشاعرة حنان الفرون التي قرأتها، مما أكسب تجربتها ميزة
وتفردا دلاليا وجماليا. متمنياتي لشاعرتنا المتميزة بدوام التألق. علي درويش أديب وناقد (وجدة) و هذه هي قصيدة “شفاه ميتة لشاعرتنا المتألقة #السيدة #حنان الفرون: ☆ شِفاه ميتة ☆ بنظرات شاردة دنوتُ من خراب الأمس المثناتر على سفح ذاكرتي، فسخت زنار الوعود التي تلفّ خاصرتي المُثقلة.
بوفاء صافحت ملامح الأطياف المتبقية هناك ،ربما ضلت السُبل إليّ، أو أنها لم تسلك قط دروب المتاهة الجرداء. مُذ تركتها و هي تلتهم عقارب ساعتي ،تُخاتل ظلي عبر الأمداء ، تناوش ظنوني البريئة.
عند آخر لقاء لنا كان القمر يلوّح لي بملء ضيائه وعدني بغذٍ مشرق و قلادة من صخر سيضعها على جِيدي قرباناً…. وثقتُ به أشد وثوق ،و كيف لا وهو خبير في لعبة النرد و يعرف كيف يلملم خسائره المتتالية ،و دائما كانت كلمته أمانته … قال إن الشمس تمتمت في آذان الفجر المُتقد و إن أعاصير الشوق رقدت بعيداً عن مرآى المتطفلين ،استلقت على رابية أحلامي
الهاربة مني إليه
. قال إن خريف الأحاجي الليلية أقبلَ حاملاً دياجر الوعود الشاحبة….و إنه سيكنس وُريقات الذكريات العالقة في أغصان الوهم القاتم … قال إن المطر خان فصل الشتاء، فتوقف عن الهطول ،و إن الربيع تعرّى أمام الطبيعة ،استبدل اللون الأخضر بالرمادي.
قال إن مشاعره تلبدت بالغيام ، لكنه لا يؤمن بالأفول .. حتى أنه تعاهد على الهُطول في يوم لم يُدرج في يومياتي الصاخبة ، تراه عاجز عن الإشراق ؟ ربما …..!!! فما جدوى اللقاء و البقاء ؟…. فالقصيدة خلعت عذريتها ،و القوافي سطعت في أفق الخيالات الماردة ،و المداد اكتسح غدير الشريان .. ذاك الحلم الموءود في أقبية السماء تصدع و شاخ فقد نظارته و باح بما اكتظ به القلب و ناح بأنات من دخان … و تلك الروح الكسيحة يُسمع صليلها من بين تجاعيد الأيام أُضرِمت النار بين
ضلوعها على حين غرّة،فرّت لاهثة إلي باحثة عن وطن آخر مُمزق مثلي يحتوي شتاتها كانت وفية للقاء وهمي ….ما أغباها ..!!! كان بصيص شمعة في مهب الريح ترمم شروخ عمرها الكسيح ،علّها تزهر على جبين مهجور … أو تكون قُبلة مشتاق ضلّ قِبلته ،فطبعت على شفاه ميتة !!!… حنان الفرون/ بلجيكا