كباسي سناء
هذا الكتاب يضمن لقارئه درجة كبيرة من الوعي في مواجهة وسائل الإعلام ومنتجاتها الدعائية التي تحاول من خلالها تغيير شكل المجتمع والتأثير في الواقع السياسي بما يخدم سلطة أصحاب المال والجاه.
وهو أحد أهمّ وأفْيد الكتب التي قرأتها في السّابق لما وجدت فيه من معالجة دقيقة لقضايا من الأهمية والخطورة بمكان، ولما يطرحه من “أفكار حول السلطة والجمهور والوعي”، وقد كنت قرأته آنذاك مرتين متتاليتين من إعجابي بثراء مادّة البحث ومتانتِها.
يعتمد الكاتب في البنية الأساسية لهذا البحث على كتاب (سيكولوجيا الجماهير) لغوستاف لوبون الذي يُعدّ نقطة الانطلاق لما عُرف من بعد بعلم النفس الاجتماعي أو الجماعي، ليحدّثنا عن نظريّة لوبون حول التّحكّم في الجماهير، ومدى استفادة أبرز المفكّرين والسياسيين والإعلاميين بها في السنوات التي تلت صدور الكتاب، ليبدأ عصر جديد، هو عصر قمع الجماهير والسيطرة عليها، ومن أبرز هؤلاء:
– أدولف هتلر وكيفية تشكيله للمجتمع النازي.
– غوبلز وزير الدعاية النازية الذي يقول “الذي يملك وسائل الإعلام هو الذي يملك القوة والإرادة في الحروب الباردة والساخنة معًا”.
– سيغموند فرويد، ويظهر ذلك جليا في كتابه (علم نفس الجماهير).
– إدوارد بيرنيز وهو الذي أشرف على إشاعة أفكار عمّه “سيغموند فرويد” في المجتمع الأمريكي، وكان من زبائنه رؤساء الولايات المتحدة وكبرى الشركات الصناعية والإعلامية، حيث تمكن هذا الرجل من خلال نظرياته الدعائية على سبيل المثال بنشر التدخين بين النساء في الولايات المتحدة وهو ما لم يكن مقبولاً اجتماعيًّا في ذلك الوقت!
– والتر ليبمان ونظريته “تصنيع الإجماع”.
ثم ينتقل بنا الكاتب للحديث عن مدرسة فرانكفورت ونقدها للواقع من خلال نظرياتها الفلسفية التي مكّنتها من تسيُّد الفكر الفلسفي المعاصر، ومن أبرز الأفكار التي ناقشتها في علاقة المجتمع بالمنظومة: الاستهلاك، والتشيؤ، والاغتراب، وإنسان البعد الواحد.
وفي نهاية الباب الأول من الكتاب يحدّثنا عن نتيجة كلّ ما سبق وهو المجتمع المشهدي/الاستعراضي، حيث صار الواقع الذي تعيشه الجماهير بمخيلتها هو المشهد الذي تفرضه وسائل الإعلام وليس هو الواقع الحقيقي.
أما الباب الثاني فقد خُصّص لوسائل الاتصال الحديثة وتشكيلها لما يعرف بالعالم الافتراضي، وأدوات ووسائل ضبط الجماهير على رأسها “التلفزيون”، ومدى خطورة هذه الوسائل وقدرتها الهائلة على تغييب العقل نهائيا وجعلِ النّاس حمقى من حيث يظنون أنهم صاروا بها علماء، ولن أفصّل فيه أكثر لغزارة فوائده، وأختم بهذا الاقتباس:
- “إنّ المجتمع -كما نعرفه، وكما يعرفه التاريخ- لم يعد له وجود، نعم، لقد تلاشت الصورة التي كان عليها المجتمع الذي نعرفه، أو قل: إنها تتلاشى بانتهاء الجيل الذي شهد المجتمع الحقيقي الذي كانت المعرفة أهمّ سماته، والفكر قوامه، والعلاقات الحقيقية هي التي كانت تربط أفراده، سواء على مستوى العائلات، أو الصداقة، أو غيرهما.” إنه لجديرٌ بالقراءة .