اللموط 24 
الدار البيضاء 07 مارس 2025 – نظم مركز مدى للدراسات والأبحاث الإنسانية، يوم الجمعة 07 مارس 2025، لقاء الثالث ضمن الموسم الثاني من مشروع
“مفاهيم ذات الصلة بالتحول الديمقراطي”، تحت عنوان “الحداثة السياسية: المفاهيم والأسس”. وقد تمحور النقاش حول مفهوم “الحرية”، بمشاركة مجموعة من الباحثين والمتخصصين في مجالات الفلسفة السياسية، والاجتماع، والتاريخ.
افتتح اللقاء الأستاذ عبد الكريم بحير، الباحث في الفلسفة السياسية وفلسفة القانون، مرحبًا بالحضور ومقدمًا لمحاور النقاش. وقد سلط الضوء على أهمية مفهوم الحرية في السياق العربي والإسلامي، وكيفية تفاعله مع الحداثة السياسية
. تناول الأستاذ عبد الرحيم رجراحي، الباحث في الفلسفة السياسية، مفهوم الحرية في الفكر المغربي المعاصر، من خلال أعمال المفكرين عبد الله العروي ومحمد عزيز الحبابي.
وأشار إلى أن أعمالهما تعكس تلقياً مغايراً لمفهوم الحرية مقارنة بالتقاليد الأوروبية، خاصة التصور الليبرالي. فالعروي يرى الحرية ليس فقط كمفهوم، بل كشعار وواقع، متجاوزًا المقاربات الفيلولوجية التي تعتبر أن الفكر العربي الإسلامي لم يعرف مفهوم الحرية.
أما الحبابي، فقد انتقد الطرح الشخصاني الكلاسيكي للحرية، معتبرًا إياها عملية تحرر متعددة الأبعاد، تشمل الفردي والجماعي، والكينونة والعندية، والتاريخي والسياسي. من جهته، قدم الباحث مصطفى إنشاء الله مداخلة حول التوتر بين الحرية والحتمية في العلوم الاجتماعية، بعنوان “بارادايغم الحتمية في العلوم الاجتماعية: علم الاجتماع مثالاً”
. واستعرض النماذج السوسيولوجية الكلاسيكية والمعاصرة، بدءًا من أوغيست كونت ودوركايم، وصولاً إلى بيير بورديو ورايمون بودون
. وأشار إلى أن الحتمية طغت على المقاربات السوسيولوجية، رغم محاولات ماكس فيبر والتفاعلية الرمزية لإضفاء وسم الفاعلية وحرية الإرادة على الفاعلين الاجتماعيين
. أما الأستاذ عبد الواحد بنعضرا، الباحث في التاريخ والمهتم بقضايا الخطاب الديني المعاصر، فتناول في مداخلته العلاقة بين الحرية والدولة، وتساءل عن كيفية التوفيق بين الحرية واحترام القانون في ظل الدولة الحديثة.
وأشار إلى أن الخطاب الديني المعاصر كرس التخارج بين الفرد والدولة، مما أضعف مفهوم الدولة وسهل نزع الشرعية عنها. كما نبه إلى أن الأخلاق في الخطاب الديني المعاصر ارتبطت بالفرد أكثر من ارتباطها بالمجتمع والدولة، مما أدى إلى غياب حس المسؤولية تجاه المستقبل
. شهد اللقاء نقاشًا تفاعليًا غنيًا بين المشاركين، حيث تم التطرق إلى الإشكالات الفلسفية والسياسية والاجتماعية المرتبطة بمفهوم الحرية، ومدى تأثيرها على بناء الدولة الحديثة.
وفي الختام، تم التأكيد على ضرورة استمرار البحث والنقاش حول الحرية في علاقتها بالدولة، والقانون، والمجتمع، والتربية، من أجل بلورة رؤية نقدية تعزز الحداثة السياسية في السياق العربي.
يأتي هذا اللقاء كجزء من سلسلة حوارات تسعى إلى تعميق الفهم النقدي لمفاهيم التحول الديمقراطي والحداثة السياسية في العالم العربي، حيث تشكل الحرية محورًا أساسيًا في هذه النقاشات، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها الدولة والمجتمع في سياق التحولات العالمية الراهنة.



