نورالدين كودري
في مذكرة اقتراحية مستفيضة توصل بها مؤخرا السيد وزير الصحة والحماية الاجتماعية، نبهت الجمعية الوطنية لمتصرفي قطاع الصحة إلى أنه منذ أن جدد جلالة الملك نصره الله أوامره السامية للنهوض بالقطاع الصحي وفق منظور شمولي ومندمج، وجعل من ورش الحماية الاجتماعية ورشا ملكيا يسهر عليه جلالته شخصيا، لم يعد هناك مجال لإصلاحات سطحية تعالج الأعراض الخارجية دون النفاذ إلى عمق الإشكاليات البنيوية المعروفة، أو لإصلاحات جزئية قد تخطئ ترتيب الأولويات، أو قد تغفل ترابط وتقاطع المحاور فيما بينها؛ وإنما وجب على كل مسؤولي القطاع والمؤسسات التابعة له، وعلى جميع الهيئات النقابية والجمعوية القطاعية وعلى كل الجهات الحكومية والغير حكومية المعنية، التسليم بأن المنظومة الصحية الوطنية تمر بأخطر منعرج حاد في تاريخها وبأن مسؤوليتهم مشتركة وذات أبعاد أخلاقية وسياسية وحقوقية، ستتذكرها لهم الأجيال المتعاقبة، وتحاسبهم على مدى تحملهم أو عدم تحملهم لها وعلى مدى صمودهم أمام مبررات قد تحكمها مصالح آنية أو إكراهات ظرفية عابرة، ومدى تخطيهم لفخ التوافقات التي قد تخلق أمرا واقعا يصعب تداركه، وعلى درجة وعيهم بأن ما يتخذونه اليوم من اختيارات سيرهن مستقبل المنظومة لعقود قادمة.
كما ذكرت الجمعية إلى أنه منذ المناظرة الوطنية الأولى للصحة سنة 1959 والتي أرست أسس المنظومة الصحية الوطنية، عاشت هذه الأخيرة في تاريخها محاولات إصلاحية متتالية أنتجت مكتسبات مهمة لا يمكن إنكارها، وأفرزت قيادات ومهارات علاجية وتدبيرية عالية، ومكنت القطاع من مواجهة تحديات تطورت حدتها بتطور المجتمع وحاجياته. غير أن تلك المحاولات ارتطمت بداية بالتبعات السلبية لمخطط التقويم الهيكلي قبل أن تصطدم بعد ذلك باضطراد الحجب الغير مبرر للموارد عن القطاع الصحي، وبمحدودية التنسيق الميداني والبينقطاعي.
وأضافت الجمعية أن كل تلك المعيقات أضعفت قدرة الوزارة المختصة على إحداث التغيير النوعي الذي يحتاجه القطاع رغم إرادتها ونواياها الحسنة، مما أفرز إحباطات عميقة لدى المرتفقين ولدى المهنيين بمختلف تصنيفاتهم، وأصبح القطاع مهددا بالانهيار في زمن لم يعد يتحمل الآثار الوخيمة لغياب منظومة صحية وطنية تغطي حاجيات المواطنات والمواطنين، وتواكب التطور العلمي والتكنولوجي وتحقق الأمن الصحي وتساهم في تقليص الفوارق المجالية وفي خلق الثروة.
وخلصت الجمعية في مذكرتها إلى أنه على الجميع إذن، عدم إخطاء الموعد مع التاريخ مرة أخرى، وعدم تفويت هذه الفرصة التي يشملها جلالة الملك حفظه الله برعايته السامية، وبأن عليهم تدبير هذه المرحلة الحاسمة أحسن تدبير وتجنيد كل الطاقات المتوفرة لديهم لتحقيق إصلاح شمولي تؤطره نصوص دقيقة تقطع مع كل المفاهيم السابقة وتحدث نقلة نوعية تمنح المغرب منظومة صحية جذابة تحصن مكتسبات القطاع الصحي العمومي وتتحلى بالجاهزية للتأقلم بمرونة مع كل المتغيرات، وتستجيب دون تمييز لتطلعات كل مهنييها وترفع الحيف عنهم، وتحفزهم وتمنحهم الأمان، وتشجعهم على الانخراط في مشروع إصلاحي مشترك يتملكون عناصره ويتجندون معا للدفاع عنه أمام كل المحافل حينما يقتنعون بأنه يحفظ لهم مكانتهم وحقوقهم كاملة غير منقوصة، ويراهن عليهم كقوة دافعة ترقى بالمنظومة الصحية لأعلى المراتب وتساهم في نجاعتها وفي إضفاء الجاذبية عليها وفي الرفع من قدرتها التنافسية.
هذا، وقد تطرقت المذكرة الاقتراحية التي صاغتها الجمعية المذكورة نيابة عن متصرفات ومتصرفي قطاع الصحة والحماية الاجتماعية إلى محاور أخرى اعتبرتها بمثابة مبادئ أساسية ينبغي أن تؤطر لأوراش الإصلاح الجذري للمنظومة الصحية منها:
– دعوة جميع المتدخلين إلى تغليب المصلحة العامة والتزام أقصى درجات التجرد والحياد وتفادي فرض الأمر الواقع،
– التأكيد على ارتباط وتقاطع عناصر إصلاح المنظومة الصحية وإلزامية معالجتها وفق منظور شمولي ومندمج،
– الدعوة إلى تحصين مكتسبات المنظومة الصحية الوطنية وإلى منع التداخل في الاختصاصات الهيكلية والوظيفية،
– الانتباه إلى أن المكامن الحقيقية لضعف المنظومة الصحية تتجسد بالأساس في هشاشة وظائف الحكامة والتدبير والتنظيم والتخطيط والبرمجة والتمويل والرقابة،
– دعوة الوزارة إلى الاصطفاف بجانب مهنييها لأجل انتزاع منظومة للوظيفة الصحية ترقى لتطلعات كل الفئات بدون تمييز وفق منظور جديد يقطع مع المفاهيم السابقة ويبرز خصوصيات القطاع الصحي ويساعد على الرفع من نجاعته وتنافسيته،
– استعجالية إصلاح منظومة التكوين في مهن وعلوم الصحة بكل تجلياتها العلاجية والتدبيرية والتقنية باعتبارها منبعا لإثراء الرأسمال البشري لقطاع الصحة وامتدادا عضويا طبيعيا للوظيفة العمومية للعاملين به.
هذا، ويجدر الذكر بأن الجمعية الوطنية لمتصرفي قطاع الصحة(ANASS) وهي جمعية مهنية يعود تأسيسها لثمانينات القرن الماضي وتعنى بشؤون متصرفات ومتصرفي قطاع الصحة، دأبت على إبلاغ آراءها ومساهماتها للمسؤولين الحكوميين المتعاقبين على قطاع الصحة، من خلال مذكراتها الاقتراحية ومخرجات الأيام الدراسية والتظاهرات التي تنظمها والتي تتطرق بالخصوص لإشكاليات التدبير والحكامة والتكوين الأساسي والمستمر في مهن وعلوم الصحة وللإشكاليات التي تعترض إسناد المسؤوليات بهذا القطاع ذو الطبيعة والحساسية الخاصة والذي يعتبر من بين أهم اهتمامات المواطنات والمواطنين والمهنيين على حد سواء والذين يتطلعون جميعهم إلى منظومة صحية وطنية فاعلة وقادرة على توفير الخدمات الصحية لجميع المرتفقين بالكمية والجودة والاستمرارية اللازمة.