[information]المواطن 24 – متابعة[/information]
يكاد يصل التساهل القضائي مع مختلسي المال العام حد الصفح والمغفرة، والأحكام القضائية التي تصدرها مختلف المحاكم في جرائم اختلاس المال العام تعفينا من كثير تفسير، عقوبات موقوفة التنفيذ في قضايا سرق فيها المسؤولون المتهمون ملايين الدراهم وبالبرهان القاطع، وفي أحلك الحالات متابعات ومعها عقوبات في حالة سراح، أما من يحكم عليه بالحبس النافذ وهو رهن الاعتقال فيستحق الإعدام لهول ما سلبه من ثروات..
بالمقابل يصبح فعل السرقة منبوذا مذموما ومدعاة للاعتقال، إذا اقترفته سيدة سرقت 16 بيضة و”من البيض الرومي”، ” اللي كيبرح بيه البراح في الزنقة بـ 15 ريال للبيضة”، بمعنى أن ثمنه ” في لوزين” قد يصل إلى 10 أو 8 ريال … بمعنى أن المتهمة سرقت في المجموع 8 دراهم أي 160 ريال، فقامت القيامة…
لا نبرر فعل السرقة، وننبذه ونشدد على أنه لا حق للغير في سرقة ما لغيره مهما كانت قيمة المسروق، ومهما كانت أحوال السارق جائعا أو محتاجا، ونحيي القانوني الذي لا عواطف ولا مشاعر له حين طال تلك السيدة، لكننا نشعر بالحزن الأسى والشجن حد الخجل من أنفسنا ومن عقلنا، حين نعلم أن ذات القانون نفسه يمر لصوص المال العام على صراطه مرور الكرام بلا حساب ودون كثير ضجيج، رغم أنهم يسرقون الوطن ومعه حلم الأجيال ويختلسون الأمل ويقتلون كل رغبة في الغد الأفضل، ويخلقون رجة في الاقتصاد ويتسببون في حرمان الشعب من التعليم والصحة والسكن ومن الطرقات والمسالك ومن مشاريع تنموية وحتى من الإنارة العمومية، ويدفعون الشباب إلى ركوب قوارب الموت، ويكتفي ذلك القانون في نهاية المطاف بدغدغة ناهبي المال العام بعقوبات تُحِلّ لهم ما سلبوه، وتجعله لهم من الطيبات…
الأكيد أنه تمت متابعة سارقة 16 بيضة رومية بالفصل 506 من القانون الجنائي الذي ينص على أن سرقة الأشياء الزهيدة يعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنتين، لكن في نفس القانون الجنائي هناك مقتضيات المادتين 241 و242 وهما بينتين جليتين تنصان على عقوبة ثقيلة رادعة لسراق المال العام تبدأ من 5 سنوات وقد تصل الى 10 و20 سنة…
سواء تنازل “مول البيض” عن دعواه ضد أجيرته أو لم يفعل، فإننا مطالبون بالحسم في نقطة مفصلية تقوم على وجوب التطبيق السليم للقانون ضد كل من خرقه، فلا نقبل صرامة في عقاب سارقة نصف بلاطو من البيض، ونرأف بلصوص مال الأمة ونرفق بهم وهم الذين يجذبون الوطن للخلف، ويحولون دون نهضته وتقدمه وتنميته، لأنهم يرجحون كفة تسمين حساباتهم البنكية، وتضخيم ثرواتهم وممتلكاتهم، على حساب قيامهم بالواجب الذي أقسموا ذات يوم على التفاني في القيام به… وفي انتظار مساواة سارق حضانة البيض الرومي مع سارق الوطن، فإننا نعيش تحت وخز الحزن والشجن…