سليم لواحي-خريبكة
Almouaten 24 -المواطن 24
يُعدّ مسلسل “معاوية”، الذي يُعرض في رمضان 2025، أحد أكثر الأعمال الدرامية إثارةً للجدل في السنوات الأخيرة، وذلك بسبب تناوله لفترة حاسمة من التاريخ الإسلامي، حيث تدور أحداثه حول الفتنة الكبرى، ونشوء الدولة الأموية، والصراع بين الأطراف المتنازعة بعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفان
وكما هو متوقّع، فقد أحدث المسلسل انقسامًا واسعًا بين المؤيدين والمعارضين، بين من يرى أنه يعيد قراءة التاريخ من منظور درامي، ومن يعتبره عملاً يخدم رؤية محددة ويؤجج الخلافات المذهبية
. في هذا المقال، سنستعرض الجوانب النقدية لهذا العمل، إضافةً إلى أبرز الروايات المتضاربة التي أحاطت به. — أولًا: التناول الدرامي لشخصية معاوية اعتمد المسلسل في تصوير معاوية بن أبي سفيان على مقاربة تضعه في مركز الأحداث، مقدّمًا إياه كرجل دولة محنّك، وذكي سياسيًا، استطاع توحيد الأمة تحت راية الدولة الأموية بعد مرحلة من الفوضى
والصراعات. وقد رأى البعض أن هذا الطرح قد يكون مُنحازًا، حيث يُبرز معاوية كقائد إصلاحي دون التطرّق بشكل متوازن إلى الانتقادات التي وُجّهت إليه في المصادر التاريخية، خصوصًا في سياق الخلاف مع علي بن أبي طالب أو دوره في توريث الحكم لابنه يزيد
. على الجانب الآخر، يرى مؤيدو المسلسل أنه يعيد تقديم معاوية بعيدًا عن الصور النمطية التي غالبًا ما تصوّره كحاكم استبدادي، مُؤكّدين أن المسلسل سعى إلى إضفاء بُعد إنساني على شخصيته، حيث صُوّر كسياسي وداهية دبلوماسي اضطرّ إلى اتخاذ قرارات صعبة خلال فترة من الاضطرابات السياسية. — ثانيًا: المغالطات التاريخية بين الروايات المتضاربة من أبرز نقاط النقد التي وُجّهت للمسلسل هو اعتماده على روايات تاريخية معينة وإغفاله لأخرى، وهو ما أدى إلى تضارب في سرد بعض الأحداث: 1. رواية الصراع بين علي ومعاوية المسلسل يُبرز النزاع بين علي بن أبي طالب ومعاوية على أنه صراع بين الرؤية السياسية لمستقبل الأمة، بينما تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن معاوية استخدم قضية المطالبة بدم عثمان بن عفان كذريعة لتعزيز سلطته.
تم تصوير معركة صفّين بأسلوب يميل إلى الحيادية، لكن بعض المؤرخين يرون أن السرد لم يُعطِ مساحة كافية لتأثير التحكيم بين الطرفين، وكيف أنه مهد لاحقًا لنشوء الانقسام داخل جيش علي وظهور الخوارج. 2. رواية استشهاد الحسين بن علي على الرغم من أن المسلسل يُركّز على الأحداث السياسية التي أدت إلى تثبيت الدولة الأموية، إلا أنه لم يتناول بعمقٍ تداعيات تسليم الحكم ليزيد بن معاوية، وخصوصًا ما أدى إلى واقعة كربلاء.
هذه النقطة أثارت انتقادات واسعة، حيث يرى البعض أن إغفال هذه الحقبة يُعتبر انتقائيةً في السرد التاريخي. 3. رواية العلاقة بين بني أمية والعباسيين المسلسل قدّم الدولة الأموية على أنها الامتداد الطبيعي للخلافة الراشدة، في حين أن بعض الروايات التاريخية تشير إلى أن بني أمية واجهوا انتقادات شديدة من معارضيهم، خاصة بعد تحول الحكم إلى نظام وراثي. — ثالثًا: التوظيف الفني والإنتاجي يُحسب للمسلسل جودة الإنتاج العالية، حيث تم تصويره باستخدام تقنيات سينمائية متطورة، كما أن الديكورات والأزياء نجحت في نقل المشاهد إلى الحقبة الزمنية المستهدفة.
كذلك، فقد كانت هناك إشادة بأداء الممثلين، خاصة في المشاهد التي تبرز الأبعاد النفسية لشخصيات رئيسية مثل معاوية وعلي وعمرو بن العاص
ومع ذلك، فإن هناك نقدًا حول بعض الحوارات التي اعتُبرت غير ملائمة لسياقها التاريخي، حيث رأى بعض المتابعين أنها أقرب إلى لغة العصر الحديث، مما أفقد المشاهد أحيانًا إحساسه بالأصالة التاريخية.
— رابعًا: الجدل السياسي والمذهبي حول المسلسل لم يكن غريبًا أن يثير مسلسل “معاوية” ردود فعل متباينة على المستويات السياسية والدينية.
فقد أعلنت بعض الدول عن منع عرضه، مشيرة إلى أنه قد يُسهم في إثارة الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة، بينما دافع عنه آخرون باعتباره عملًا دراميًا لا يجب تحميله أكثر مما يحتمل. الانتقادات من قبل علماء الدين: بعض علماء الدين اعتبروا أن المسلسل يُسهم في تقديم صورة مشوهة لبعض الشخصيات الإسلامية، خصوصًا أن التاريخ الإسلامي ما زال يُنظر إليه بحساسية كبيرة في العديد من الدول.
الرفض الشعبي في بعض الدول: في العراق وإيران، على سبيل المثال، كان هناك رفض واسع للعمل، حيث رأى البعض أنه يقدّم وجهة نظر مُنحازة للصراع التاريخي بين بني أمية وأهل البيت.
الدفاع عن المسلسل من قِبل صناعه: فريق الإنتاج دافع عن العمل باعتباره عملًا فنيًا بحتًا، يهدف إلى سرد الأحداث التاريخية دون التحيز لأي طرف. — الخاتمة: هل نجح
المسلسل أم أخفق؟ يبقى السؤال الكبير: هل نجح مسلسل “معاوية” في تقديم رؤية تاريخية متوازنة، أم أنه انحاز لرؤية معينة على حساب أخرى؟ الحقيقة أن الإجابة تعتمد على زاوية النظر إلى الأحداث، فبينما يرى البعض أنه محاولة لاستعادة التاريخ بصيغة درامية، يرى آخرون أنه يساهم في إعادة إنتاج الخلافات التاريخية بدلًا من تقديم قراءة موضوعية تُسهم في التقارب بين الفرقاء
. في النهاية، لا يمكن إنكار أن المسلسل فتح باب النقاش مجددًا حول واحدة من أكثر الفترات تعقيدًا في التاريخ الإسلامي، مما يجعله عملًا ذا تأثير قوي، سواء أحبّه الجمهور أم انتقده بشدة.
ويبقى السؤال المطروح: هل يجب أن تظل هذه القضايا حكرًا على المؤرخين، أم أن الدراما تملك حق إعادة صياغة التاريخ وفق رؤيتها الفنية؟
