المواطن 24 – مشاط عبد الرحمان
عبد الرحمان مسحت (روائي وإعلامي مغربي)
في حياة كل كاتب، روائي أو قاص، قصة لم يكتبها وبقيت في ذهنه
مرسومة وواضحة المعالم، دون أن ترى النور، لظروف خاصة… لكنها
ظلت تطرق قلب وعقل الكاتب من أجل أن تخرج للوجود .. من هذا
المنطلق، أجريت هذا الحوار الأدبي مع الكاتب والناقد، نجيب العوفي،
حول مشروع أدبي لم ير النور، بالرغم من أهميته، ومن خلال ذلك، نعرج
على أهم محطاته ونسبر غور حياته الإبداعية …
+++++
– كيف جئت إلى الكتابة ؟ هل كان ذلك بالصدفة أم أن الأمر متعلق
بأسئلة وجودية وحياتية ؟
– جئت إلى الكتابة أو جاءت إلي بالأحرى، بعد رحلة شائقة ودائبة مع
القراءة وصداقة حميمة مع الكتاب امتدت عبر سنوات الصبا اليافعة حيث
يمتد بساط أخضر من الأحلام والأشواق المسافرة بعيدا على صهوة
الكلمات . معظم الكتب المقروءة في هذه المرحلة تراوحت بين الدواوين
الشعرية الحديثة والقديمة والمجاميع القصصية والروايات وبعض
الدراسات الحديثة في الأدب والنقد . كان الإبداع الأدبي هو الآخذ بمجامع
النفس والعقل . وهو الذي حرك القلم واستثاره لسحر الكتابة وجاذبيتها .
ومنذ البدء أسرتني جمالية اللغة العربية وأوقعتني في أشراك هواها .كانت
القراءة مدخلا إلى الكتابة . وكانت أحلام الصبا والشباب وقودا ومهْمازا
لمغامرة الكتابة . والكتابة ضرب من التحليق في عالم يوتوبي جميل .
– في حياة كل كاتب قصة ، لم تكتب أو لم تنشر ، فما قصة قصتك التي لم تر
النور؟
– من جميل الصدف الأدبية، أني بدأت رحلتي الأدبية مع الكتابة كاتبا للقصة القصيرة . كان ذلك في أوائل الستينيات من القرن الفارط . وقدنشرت خلال هذه الفترة في المنابر الثقافية المعدودة والمحدودة آنئذ ،نصوصا قصصية كثيرة تناهز العشرين قصة ..ومع طلائع السبعينياتتوقفت عن كتابة القصة وشرعت في الكتابة النقدية ، انطلاقا مناستراتيجية أدبية مفكر فيها ، في ضوء الحراك غير المتكافئ بين الإبداع والنقد . حيث كانت كفة الإبداع ( شعر- قصة – رواية ) راجحة على كفة النقد . لكن مع هذه الانعطافة بقي في النفس للقصة غُصّة . وكلما أوغلت في طريق القراءة النقدية راودتني وعاودتني رغبة دفينة ملحاح في كتابة قصتي – سيرتي مع شجون الكتابة والحياة .
– هل ما زلت تفكر في كتابتها ونشرها ، أم أنك تحبذ أن تبقى في ذاكرتك
بعيدة عن عيون القراء والنقاد ؟
– هي هاجس أدبي ملْحاح يلازمني ويطاردني كلما تقدم قطار الحياة
.. واتحيّن له الفرصة السانحة المواتية للتفرغ له في زحمة الالتزامات
والإنشغالات الأدبية والحياتية الآخذ بعضها برقاب بعض .هذا الهاجس
القصصي – السيري هو هاجس موضوعي تاريخي أكثر مما هو هاجس
ذاتي خاص . لان قصتي مع الكتابة والحياة ، هي في المحصلة قصة
مرحلة بحذافيرها ، بتفاعلاتها وتحولاتها ، بمدها وجزرها .ولا يخفى ان
كثيرا من جلّة نقادنا ، رسَوْا في محطاتهم الأخيرة وليس الآخرة على
ساحل الرواية ورواية التخييل الذاتي autofiction .. وأفكر هنا بخاصة
في محمد برادة وعبد القادرالشاوي وحسن بحراوي وعبد الرحيم جيران ..
على سبيل المثال .
– برأيك هل كتابتها يضيف شيئا للأدب المغربي والعربي والعالمي ؟
– لو فكر الأدباء والكتاب مليا في هذا السؤال قبل أن يقبلوا على
نشر أعمالهم، لما خطوا حرفا ولا أطلقوا سراح أعمالهم. ومع ذلك فإن لكل
كاتب نرجسيته الخاصة. والكتابة في حد ذاتها ضرب من النرجسية
الإبداعية .حسب الكاتب أن يقول كلمته ويمضي. وأكيد أنه يحمل تاريخه
على كتفه على هذا النحو أوذاك. ويضيف لا محالة شيئا إلى هذا التاريخ .
– وهل تفكر في كتابة قصتك بعد مرور كل هذا الوقت ، لتقول لنا إنها
تستحق القراءة والوجود والنور ؟
– مرور الوقت قد يكون أفضل فرصة لإنضاج الثمار واطّراح
الزوائد والنوافل . وكل تأخيرة فيها خيرة . كما قيل .
– قبل ان تكتب ، هل تفكر في الجوائز ، العربية والعالمية ، التي بدت
تؤرق مجموعة من الكتاب المغاربة والعرب ؟ أم أن الكتابة بالنسبة إليك مسألة
وجود وحياة ؟
– الإبداع لا يستقيم بتاتا مع التفكير في الجوائز المادية الغادية
الرائحة ، كالسحاب أو السراب. أكبر جائزة للإبداع الأدبي أن يحظى
بقيمته الأدبية ومصداقيته الأدبية على مرّ الزمن .وما سوى ذلك من سقط
المتاع . والأدب ، كما قال غابرييل غارسيا ماركيز ، فنّ مُوجّه لتحسين
العالم لا لتحسين الحسابات الخاصة .
– هل أنت راض عن أعمالك التي نشرت ، أم أنك نادم على نشر بعضها
لأسباب إبداعية أو فكرية او اجتماعية ؟
– أستحضر هنا البيت الشعري المأثور / وعين الرضا عن كل عيب كليلة / وعين السخط تبدي المساويا
ولو كان الكاتب راضيا عن أعماله ، لما جدّ ودأب في تكرارها ومراكمة
عناوينها مثنى وثلاثا وعشْرا.. إن في الإبداع ظمأ مزمنا لا يرتوي .
++++++++++++++++
السيرة الذاتية للأديب نجيب العوفي ولد سنة 1948 بمدينة مليلية المحتلة. تابع دراسته الثانوية بثانوية القاضي عياض بتطوان. التحق
بكليتي الآداب والعلوم الإنسانية بفاس ثم بكلية الآداب الحقوق بالرباط. حصل على إجازة في الدب
العربي سنة 1970 وعلى الإجازة في الحقوق سنة 1975، كما أحرز على دبلوم الدراسات العليا
في الأدب العربي سنة 1985.
دخل مجال النشر سنة 1961 حيث نشر قصة قصيرة بعنوان “نهاية حب بمجلة صوت المغرب”.
أعماله بمجموعة من المجلات والصحف: آفاق، الثقافة الجديدة، البديل، العلم، الكفاح الوطني،