[information]المواطن 24 متابعة[/information]
تطورت المخاوف والتوجسات الدبلوماسية والاقتصادية الإسبانية من علاقات المغرب الخارجية وبنائه جسورا اقتصادية عابرة للقارات، لتخرج هذه المخاوف على أرض الواقع وبشكل رسمي، بعدما كانت بادية في تصريحات لمسؤولين ومثقفين إسبان؛ وذلك باعتزام الحكومة الإسبانية إطلاق الخط البحري الرابط بين ميناء مليلية المحتلة وميناء الغزوات الجزائري.
هذا الإعلان الذي أكده رئيس حكومة مليلية المحتلة، غدواردو دي كاسترو، أثناء المداولات البرلمانية خلال جوابه عن سؤال أحد نواب الحزب الشعبي في البرلمان، مؤكدا أن وزارة الخارجية الإسبانية قد وافقت على المشروع “نظرا للتأثير الكبير الذي سيكون لهذا الخط على اقتصاد المدينة، لذلك فإن حكومة إسبانيا ترحب بهذا المشروع”.
ويأتي هذا الإعلان بعد أيام قليلة من تداول أخبار تفيد أن المغرب يعتزم إنشاء ربط قاري عبر مضيق جبل طارق، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول الدلالات التي تحملها هذه الخطوة الإسبانية وما مدى واقعيتها، الأمر الذي دفع “آشكاين” لتُحاور الخبير في العلاقات الدولية ومدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية، عبد الفتاح فاتحي، لمعرفة دلالات وخلفيات هذه الخطوة في ظل التطورات الإقليمية الحالية، وما مدى أثرها على المغرب؟.
وفي ما يلي نص الحوار:
أعلنت حكومة مليلية المحتلة رسميا عن مشروع الربط بين ميناء مليلية وميناء الجزائر، كيف تقرؤون ذلك؟ وما مدى واقعية هذا الأمر؟
إن هذا الخط يعكس وجها جديدا من الارتباك السياسي للجزائر فيما يتعلق بتدبير علاقات الجوار على أسس سليمة، وهو بالمقابل استعداء مجاني للمغرب، في وقت يطالب فيه إسبانيا بالدخول في مفاوضات بشأن المدينتين المحتلتين.
وتطبيع الجزائر مع اسبانيا كقوة استعمارية للمدينتين يفند ادعاءاتها بمناصرة تقرير المصير وإنهاء الاستعمار، وهذا السلوك الجزائري سيحل كعامل عدائي مدان لكونه يدعم القوى الاستعمارية.
وتحاول إسبانيا من خلال هذا الخط تخفيف أزمة الأنشطة الاقتصادية بالمدينتين بعد إغلاق منافذ العبور غير الشرعية، وإيقاف التهريب الذي كان يكلف الاقتصاد المغربي.
ومهما تكن مبررات المشروع، فإنه لا يخرج عن نسق الصراع الجيوسياسي بين المغرب واسبانيا فيما يتعلق بالتفاوض حول مستقبل المدينتين المحتلين، ويريح الجزائر بأن تستغل تكريس الخلاف بين المغرب وإسبانيا، لربح نقط لصالح موقفها التفاوضي حول نزاع الصحراء؛ خاصة بعد التطورات الأخيرة، ومنها الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ونجاح مسار دبلوماسية القنصليات بالأقاليم الجنوبية.
ما علاقة هذه الخطوة بمفاوضات المغرب مع بريطانيا لإنجاز ربط قاري عبر مضيق جبل طارق؟
تحدو المغرب رغبة أكيدة في تقوية بنياته التحتية بحريا، من خلال سياسات بناء موانئ كبرى للربط القاري، وهو يتهيأ ليتحول إلى معبر محوري بين أوربا وإفريقيا، ويعمل على تعزيز وسائل الربط إلى مشاريع للربط القاري بريا كذلك، من خلال مشروع مغربي بريطاني عبر طنجة جبل طارق.
والأكيد أن مثل هذه المشاريع تمنح المغرب قوة النفوذ البحري وتقلص من النشاط البحري الإسباني من خلال سبتة ومليلية.
ولذلك، فإن آفاق النشاط الاقتصادي للمدنيتين السليبتين سيتراجع إلى أدنى مستوياته، خاصة بعدما تم وقف نشاط تهريب البضائع الاسبانية من المدينين نحو المغرب، أو بالأحرى بعد أن أعاد المغرب ترتيب الأنشطة الاقتصادية في محيط المدينتين، ولأن ذلك أوجد أزمة في النشاط الاقتصادي للمدينين.
وسيتعزز الضغط التجاري والاقتصادي عليهما بعد تحقيق تقدم في مشروع الربط القاري عبر جبل طارق، وكذا تقوية المرافئ في الواجهة المتوسطية.
ولهذه الاعتبارات تحاول إسبانيا تخفيف الأزمة الاقتصادية للمدينتين عبر تشجيع السياحة والتجارة مع الجزائر، لتعويض عائداتها من التهريب وحركة المرور البحري عبر موانئ المدينتين.
في حالة تحقق هذا المشروع بين مليلية والجزائر، ما هي تداعياته على المغرب وما هي الخيارات المتاحة له؟
يعتبر هذا المشروع تنفيسا مرحليا للصدمة، لكنه لا يعوض المعابر المغربية لاعتبارات تتعلق بارتفاع الكلفة في تقدير العوائد؛ وعليه فلا الجزائر ولا إسبانيا تقيمان هذه الجدوى على أساس عوائدها الاقتصادية ولكن بحسب نوازع سياسية.
ولذلك لا أتوقع أن يكون بديلا جيدا لتحقيق المآرب الاقتصادية والسياسية للطرفين، لا سيما وأن المغرب بات يمتلك تصورا واضحا في سياسة بناء المرافئ على عوائده الاقتصادية وليس على نزوع سياسي.
عموما، هذا لن يكون بديلا، لأن طبيعة التنقل بين الجزائر وإسبانيا ومنه نحو أوربا، ذات كلفة مرتفعة ولن يتم تعويض التجارة البينية ليكون أكثر تنافسية، خاصة أن السلع الإسبانية كانت تستفيد من هوامش الربح التي يوفرها التهريب.