المواطن 24
شكلت حماية المنظومة التعليمية من تداعيات فيروس (كوفيد-19)، وضمان استمرارية العملية التعليمية بالنسبة لملايين التلاميذ والطلبة، سواء بالتدريس الحضوري أو عن بعد أو بالتناوب، هاجسا وطنيا بالنسبة لكافة المتدخلين في المنظومة التربوية لتأمين الزمن الدراسي.
فالحرص على الاستمرارية البيداغوجية، رافقه اختبار أساليب تعليمية جديدة، لاسيما منها التوظيف الواسع للتكنولوجيات الحديثة، والتركيز على التعلم الذاتي، الذي يجعل المتعلم قادرا على تنمية معارفه ومهاراته، بالاستعانة بتوجيهات أساتذته الذين تغير دورهم بفعل الجائحة من التلقين داخل الفصول الدراسية إلى التوجيه والتأطير وإنجاز موارد رقمية تعليمية ودروس تحقق تكاملا تاما بين الاستخدام الجيد للأدوات التكنولوجية المتوفرة وطرق التلقين التقليدية بغية إيصال المعلومة للتلميذ سواء حضوريا أو عن بعد.
تنزيل الدارسة بالتناوب حضوريا و عن بعد، في ظل الالتزام بالإجراءات الاحترازية لتفادي تفشي وباء (كورونا)، واكبه تنامي الوعي بضرورة تتبع الآباء والأمهات وأولياء الأمور لتعلم أبنائهم وتأطيرهم داخل البيت عند اختيارهم لاتباع نمط تدريس عن بعد وتوفير وسائل لوجيستكية من حواسيب ولوحات رقمية وحتى هواتف ذكية لمتابعة حصص التعلم، وبالتالي السهر على جودة تلقي أبنائهم للدروس وضمان إرسال الواجبات المدرسية لأستاذتهم بجودة عالية وفي الوقت المحدد لها، وذلك في إطار تعاون تام ومستمر مع مؤسستهم التعليمية.
ففي زمن استثنائي، كالذي يفرضه سياق جائحة (كوفيد- 19)، أضحى التدريس بالتناوب بين الحضوري وعن بعد مُعطى واقعيا ومُعاشا، إذ يتعين على المتدخلين في هذه التجربة التعليمية العمل على تقييمها باستثمار إيجابيتها وتجويدها في أفق مأسستها.
+ تقييم تجربة التدريس بالتناوب سيرورة مندمجة في تدبير العملية التعليمية والمراقبة التربوية.
في هذا السياق، أوضح مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الرباط- سلا- القنيطرة، محمد أضرضور، أن تقييم تجربة التدريس بالتناوب حضوريا وعن بعد، تعد سيرورة مندمجة في تدبير مختلف المحطات والعمليات التعليمية، مبرزا أنها انطلقت عبر تتبع تصريف وتنزيل هذه الأنماط داخل المؤسسات التعليمية، سواء من خلال الدلائل التوجيهية التي أعدتها المنسقيات التخصصية الجهوية، وكذلك المساهمة الإقليمية لهيئة التأطير والمراقبة التربوية.
وشدد السيد أضرضور، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، على أهمية الانخراط الإيجابي الوطني والمسؤول لكافة المتدخلين من مفتشين وأساتذة ومدراء ونظار وحراس عامين، وجمعيات مهنية وجمعيات آباء وأمهات وأولياء الأمور، دون إغفال دور النقابات التعليمية في تيسير العملية.
وأبرز المسؤول التربوي أن تقارير وأعمال اللجنة الجهوية واللجان الإقليمية لليقظة والتتبع أو هيئة التأطير والمراقبة التربوية، تؤكد أن هذه التجربة على المستوى الجهوي حققت الأهداف المسطرة، حيث بلغت نسبة الإنجاز الفعلي للبرامج الدراسية المقررة للسنة الدراسية 2019/2020 نسبة عادية (38 في المئة)، علما بأن هذه النسبة تبقى متغيرة حسب الأسلاك ونوع التعليم (عمومي/خصوصي).
وسجل أنه تم الحرص على الاستثمار الأنجع لمحطة التقويم التشخيصي والدعم الاستدراكي طيلة الأسابيع الأربعة الأولى من الدخول المدرسي، لافتا إلى أنه انطلاقا من مؤشرات الأداء المعتمدة في هذه الأكاديمية، فإن النتائج المحصل عليها لحدود الساعة مشجعة جدا، ومن شأنها تعزيز التعلم الذاتي واستقلالية المتعلم في اتجاه تطوير التعلم مدى الحياة، ويبقى هذا النهج أداة لمسايرة التحولات المعرفية والمجتمعية المتسارعة.
كما يظل الرهان، حسب المسؤول التربوي، تعزيز استقلالية وذاتية المتعلمين في بناء معارفهم وتنمية قدراتهم الذاتية، وهي المبادئ التي أكد عليها الخطاب المولوي السامي بمناسبة ثورة الملك والشعب لـ 20 غشت 2010.
+ الامتحانات أهم الأشكال التقويمية لتقييم حصيلة التعلمات +
يشكل التقويم التربوي إحدى ركائز العملية التعليمية-التعلمية، فإلى جانب وظائفه المتعددة (التشخيص، التعديل، التوجيه،…) تبقى الوظيفة الإشهادية الوحيدة التي تحظى باهتمام المجتمع أفرادا و مؤسسات.
وفي هذا الصدد، يقول مدير الأكاديمية إن مسار الامتحانات بقطاع التربية الوطنية راكم تجارب إيجابية خلال العقدين الأخيرين على الخصوص، تجعله اليوم مسايرا للأنظمة التقويمية المعمول بها إلى حد كبير.
“فاليوم نتحدث عن مبدأ ملاءمة البرامج الدراسية مع المنهاج الافتراضي الدولي، ونستأنس بمبادئ بعض الاختبارات الدولية (tims ، Pirls…) وذلك من خلال استحضار المستويات المهارية في بناء الاختبارات”، يوضح السيد أضرضور، الذي أكد أن المنظومة التربوية “تتوفر على أطر مرجعية خاصة بالامتحانات الإشهادية للأسلاك الثلاثة من الطراز الرفيع، وهي مبنية على أسس ومعايير علمية مستمدة من أحدث المدارس في علم التقويم (docimologie)”.
واعتبر أن المنعطف الحالي في ظل الجائحة هو “أننا أمام نمط تربوي جديد قائم على التناوب بين الحصص الحضورية وحصص التعلم الذاتي، مما يستوجب التفكير الجماعي لتكييف المعايير وتطوير آليات التقويم التربوي (المراقبة المستمرة، الأداءات والإنجازات، المشاريع التعليمية، الامتحانات).
التفكير اليوم، حسب السيد أضرضور، ينبغي أن ينصب حول وظيفية الامتحان الذي يبقى أداة ضمن أدوات تقييمية عديدة ومتعددة، وهي وظيفة، بنظره، لا ينبغي أن تقتصر فقط على الإشهاد (certification)، بل ينبغي أن تعزز وتقوي التعلم الذاتي، مؤكدا أنه ورش كبير تشتغل عليه الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط- سلا- القنيطرة كباقي الأكاديميات بتوجيه من الوزارة وتنسيق مع المصالح المركزية في إطار تفعيل أحكام القانون الإطار 51-17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وذلك ضمن مجال الارتقاء بجودة التربية و التكوين.
فالرهان اليوم يتمثل في تجديد آليات التقويم التربوي، وذلك لجعله عاكسا بصورة صادقة للمؤهلات التي يتوفر عليها المتعلم، وضامنا لمصداقية وموثوقية النتائج، وداعما للتعلمات، مع الأجرأة الفعلية لمبدأي الإنصاف وتكافؤ الفرص بين مختلف المتعلمين بالمدرسة المغربية.
ويرى مدير الأكاديمية الجهوية أن هذا المعطى “لا ينبغي أن يجعلنا نغفل إشكالا خطيرا، يتجلى في أن هذه القطيعة الموروثة عن الماضي خلقت عبر عقود فجوة كبيرة بين أنماط التقويم التربوي المطبقة في التعليمين المدرسي والعالي، وحتى التكوين المهني، والذي طالما طرح غير ما مرة بالنظر إلى ما يساهم فيه من هدر جامعي”.
ولفت السيد أضرضور إلى أن تجميع القطاعات الثلاثة (التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني) يستوجب فتح نقاش تربوي جريء ومستعجل من أجل بناء تصور منسجم ومتكامل، يضمن سيرورة تقويم التعلمات في مختلف المراحل التعليمية في تناغم واضح المعالم بين المقاربات التقويمية المعتمدة ضمن البيداغوجيا الجامعية، وذلك عن طريق استحضار خصوصيات مختلف المؤسسات والأقطاب والتخصصات الجامعية، “وهذا ورش يتطلب الانكباب المستعجل إنقاذا لأجيال من الطلبة”.
+ تحديد الأنماط التربوية الملائمة قرار سيادي للمؤسسات التعليمية +
في إطار استحضار التوجيهات الملكية السامية الرامية لتعزيز اللاتمركز الإداري وتفعيل الجهوية، يقول السيد أضرضور، تبقى عملية تحديد الأنماط التربوية الملائمة قرارا سياديا للمؤسسة التعليمية، التي يتم السهر على تعزيز استقلاليتها في إطار مشروع المؤسسة.
وأبرز المسؤول في قطاع التعليم، بهذا الخصوص، أن هذه السنة الاستثنائية دفعت لتبني مقاربة تدبيرية مغايرة تقوم على التدبير بالسيرورات/العمليات (management par les processus)، لضمان المصلحة الفضلى للمتعلمين، دون إغفال أن المتحكم في اتخاذ القرار هو تصريف مقتضيات البرتوكول المسطر من طرف السلطات الصحية والتي تسهر السلطات الترابية المحلية على الالتزام به.
وفي هذا الإطار، سجل السيد أضرضور أن دور الأكاديمية هو السهر على استمرار اليقظة اللازمة لمواجهة الجائحة في الأوساط المدرسية وضمان السلامة الصحية لجميع المتدخلين، حيث تم على صعيد الأكاديمية الجهوية لجهة الرباط- سلا- القنيطرة إحداث مسطحة (plateforme) خاصة لتتبع جائحة “كوفيد-19” بالمؤسسات التعليمية، تسهر عليها طبيبتا الأكاديمية بتنسيق مع طاقم المركز الجهوي لمنظومة الإعلام، وكذا المديرية الجهوية للصحة.
+ التنسيق والتوجيه والدعم المدرسي أسس تدبير الجدول الزمني المدرسي +
من جهته، أكد حاتم اللماطي، المدير التربوي لإحدى المؤسسات التعليمية بالرباط، أن الأزمة الصحية المرتبطة بتفشي فيروس (كوفيد-19) أجبرت الأطر التعليمية والإدارية على مزيد من التفكير والابتكار التربوي.
وسجل السيد اللماطي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الانتقال للاشتغال بعدد محدود من الموظفين لم يشكل أبدا “خلودا للراحة”، فالوضع الحالي بالنسبة له يستلزم استثمارات ضخمة وتنظيم محكم، مبرزا أن استخدام التكنولوجيا الحديثة والربط الإلكتروني الجيد للمؤسسة يمكن من الاتصال الدائم للتلاميذ وأولياء أمورهم مع المؤسسة التعليمية وأطرها التربوية.
واعتبر أن هذه الظرفية المرتبطة بجائحة (كورونا) ليست لها آثار سلبية فقط، فالواقع أن التواصل مع عدد محدود من التلاميذ، في كل مجموعة، يتيح لهم تأطير أفضل، فضلا عن استخدام التكنولوجيا الحديثة تمكن التلميذ من التواصل الجيد وباستمرار مع أساتذته للحصول على شروحات إضافية أو إنجاز واجبات مدرسية بصفة فردية.
وأضاف أن أغلب التلاميذ تمكنوا من مسايرة وتيرة العمل بحكم إلمامهم بالتعامل مع الأجهزة الإلكترونية، التي أضحت جزءا لا يتجزأ من محيطهم المعرفي، تمكنهم من التواصل بسهولة مع أساتذتهم، ملاحظا، بالمقابل، أن الإشكال الأكبر يتمثل في تمكن التلميذ من تنظيم أسلوب عمله داخل المنزل والحصول على استقلالية في تنمية رصيده المعرفي.
كما أكد المسؤول التربوي أنه لتحقيق التميز، سواء عن بعد أو حضوريا، على التلميذ المتعلم واجب تدبير جدوله الزمني وتتبعه بكل دقة، فيما يتعين على أولياء الأمور الحرص على تتبع أبنائهم ومواكبتهم.
ولاحظ أن بعض التلاميذ يجدون صعوبة أكثر في تحقيق الاستقلالية الذاتية وفي هذه الحالة، يضيف المسؤول، يتعين على المؤسسة التعليمية التدخل بخلق مجموعات مصغرة للدعم المدرسي، والرفع من حجم التوقيت الزمني، وذلك بتمكين التلاميذ الذي يدرسون عن بعد بتتبع الدروس حضوريا.