المواطن24
حدد جلالة الملك توجها جديدا في إطار مقاربة الحزم التي يدبر بها ملف القضية الوطنية،في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السادسة والأربعين للمسيرة الخضراء بتاريخ 6 نونبر 2021، والتي تسعى إلى القطع مع الموقف الغامضة والمواقف المزدوجة للدول الشريكة للمغرب فيما يتعلق بموقفها من الصحراء، خاصة بعد “القرار السيادي، للولايات المتحدة الأمريكية، التي اعترفت بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه”.
فقد أكد الملك في خطابه أنه ” من حقنا اليوم، أن ننتظر من شركائنا، مواقف أكثر جرأة ووضوحا، بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة.” وأضاف “ونود هنا أن نعبر عن تقديرنا، للدول والتجمعات، التي تربطها بالمغرب اتفاقيات وشراكات، والتي تعتبر أقاليمنا الجنوبية، جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني.
كما نقول لأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة، بأن المغرب لن يقوم معهم، بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية”. ولقد شهدت السياسة الخارجية للمغرب تحولا كبيرا فيما يتعلق بتعامله مع عدد من الدول من حيث فرض خطوطه الحمراء التي تروم الخروج بالعلاقات معها من منطقة الغموض والازدواجية إلى منطقة الوضوح. ويمكن الاشارة إلى التحولات التي عرفتها العلاقات المغربية الألمانية، والتي مرت عبر أزمة دبلوماسية حادة لعدة شهور، لم تنته إلا بعد أن أعلنت الخارجية الألمانية في بيان في 13 دجنبر الماضي أنها تدعم مقترح الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب لحل النزاع في الصحراء. كما يمكن الإشارة إلى توتر العلاقات مع الجارة الاسبانية، إذ مند استضافتها لزعيم الانفصاليين في أبريل من السنة الماضية، واندلاع أزمة دبلومسية حادة بين البلدين، لا تزال العلاقات بينهما تعرف برودا لم تشفع مختلف المبادرات الاسبانية في رفع درجة حرارتها إلى المستوى الطبيعي.
وبات من الراجح أن “الملك فيليبي والحكومة الإسبانية أصبحت لديهم قناعة في مراجعة العلاقات مع المغرب على أسس جديدة بناء على التوازنات الجديدة والحفاظ على المصالح المتراكمة والانخراط في الوضع الجديد للمنطقة”. وهذين النموذجين يؤكدان الحزم الذي أصبح السمة البارزة في تدبير السياسة الخارجية للمملكة على أساس الوضوح المسؤول فيما يتعلق باعتبار الوحدة الترابية للمملكة أحد ثوابت تلك السياسة.
بالنسبة لدولة إسرائيل، فالتطبيع الذي اقتحم المغرب عقبته من خلال توقيع الاتفاق الثلاثي يدور حول محور استراتيجي هو القضية الوطنية. وإذا كان الجانب الأمريكي قد شجع المغرب على اقتحام تلك العقبة بعد الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، فإن تلكأ الدولة الإسرائيلية باتخاذ مبادرة واضحة في هذا المجال قد انكشف أخيرا بعد مرور أزيد من سنة على تطبيع العلاقات بين البلدين، وتوقيع أزيد من 12 اتفاقية تشمل مختلف المجالات. وفي هذه الديناميكية يلاحظ أن المغرب وحده من قدم الكثير مما تطلبه إسرائيل دون أن يحصل على أي شيء مما ينبغي على الدولة العبرية تقديمه في إطار اتفاقية مبتداها وخبرها يدوران حول قضيته الوطنية. لقد دخلت العلاقات المغربية الاسرائيلية مباشرة بعد توقيع الاتفاق الثلاثي في ديناميكية شبه يومية دامت عدة شهور، تمكنت من خلالها الدولة العبرية من جني الكثير من المصالح وتسجيل اختراقات تطبيعية غير مسبوقة في ظرف وجيز.
ويبدو أن المغرب ومند أكتوبر من السنة الماضية قد قرر خفض درجة حرارة ديناميكية التطبيع، لتصل إلى مستويات متدنية مع مطلع السنة الجارية، بسبب ازدواجية الموقف الاسرائيلي من القضية الوطنية. ولقد كان مفاجئا ما صرح به رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي، ديفيد غوفرين، لوكالة “إفي” في أكتوبر الماضي أن إسرائيل ملتزمة بدور الأمم المتحدة في حل الصراع في الصحراء. معلنا أن تل أبيب راضية عن موقفها الداعم للأمم المتحدة لحل الصراع حول الصحراء. وهو ما يجعل الموقف الاسرائيلي غارقا في الغموض والازدواجية، ومخالفا لروح الاتفاق الثلاثي الذي وقعته.
لقد فهمت الدولة العبرية قيام المغرب بكل التزاماته المتضمنة في الاتفاق الثلاثي بحماسة كبيرة مؤشر على بلادة ينبغي استثمارها للقفز إلى الأمام في درب مكاسبها الأحادية. ورغم أن الاتفاق الثلاثي يتحدث فقط عن فتح مكاتب الاتصال في الدولتين، فإن إسرائيل سارعت إلى تعيين سفير لها في المغرب من طرف واحد، ضدا على الأعراف والقواعد التي تحكم مثل هذا الإجراء.
وأكثر من هذا انتظرت أن يستقبله الملك محمد السادس ضمن السفراء المعتمدين! وتحرك اللوبي الاعلامي الاسرائيلي للاصطياد في الماء العكر، حين لم يكن “السفير الاسرائيلي” ضمن مجموع السفراء الذين استقبلهم الملك مؤخرا، معتبرا ذلك مؤشرا على تحولات في الموقف المغربي ! مع العلم أن الأمر هنا يتعلق بخطوة سياسية متقدمة جدا على ما سطر في الاتفاق الثلاثي وعلى إسرائيل أن تقدم ثمنها، والذي ليس سوى أن تعلن بشكل واضح موقفها المؤيد لمغربية الصحراء ولمشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب، احتراما لروح الاتفاق الثلاثي الذي وقعته.
لقد راهنت الدولة العبرية على الاختباء الدائم خلف الموقف الأمريكي. في حين أن هذا الأخير لا يعفيها من التقدم في دربه بخطوات واضحة وجريئة، بقدر ما فتح لها مغالق التطبيع مع المغرب في حدود الاتفاق الثلاثي وما تلاه من اتفاقيات وتبادلات سياسية واقتصادية وثقافية. إنه بعد مرور سنة من التخفي وراء الموقف الأمريكي، وقيام المغرب بكل التزاماته التي وقع عليها في الاتفاق الثلاثي، على الدولة العبرية أخذ العبرة من دروس العلاقات المغربية الاسبانية والألمانية، وأن تدرك أن المغرب، بما قدم، قد وضعها اليوم في موقف يتطلب منها التقدم في درب الوضوح المسؤول، بتحديد موقفها بشكل واضح فيما يتعلق بمغربية الصحراء، وأن تدرك أن درجة حرارة العلاقات التطبيعية بين البلدين قابلة للتحرك في كل الاتجاهات، وفق تحرك موقفها من القضية الوطنية.