المواطن24
لم تكد تخمد جراح كبوة أسود الأطلس في المونديال الإفريقي الذي كانت ملاعب الكاميرون مسرحا له قبل أيام، حتى شدت الأنظار نحو اللاعب الدولي ونجم فريق تشيلسي الإنجليزي حكيم زياش، بعدما أعلن عن خبر اعتزاله اللعب الدولي رفقة المنتخب الوطني لكرة القدم بشكل نهائي، قاطعا بهذا القرار الشك باليقين حول إمكانية عودته لعرين الأسود والمشاركة في المباراة الفاصلة المؤهلة لمونديال قطر 2022 التي سيقودها الأسود أواخر شهر مارس القادم أمام منتخب الكونغو الديمقراطية.ما أعلن عنه حكيم زياش، بدون شك، هو ردة فعل غاضبة ناتجة عن إحساس بنوع من الخذلان أكثر منه قرار، بعدما تم إبعاد اللاعب من عرين الأسود والمشاركة في نهائيات كأس إفريقيا للأمم الأخيرة، لسبب أو لأسباب غير واضحة، يصعب القبول بها مهما كان حجم المبرر أو درجة الإقناع، لاعتبارين اثنين، أولهما: قيمة اللاعب الذي بات رقما صعبا في الفريق الإنجليزي، وثانيهما: المستوى الغير مقنع، الذي قدمه الأسود في العرس الإفريقي، حيث تبين بالملموس عدم نجاعة اختيارات بعض اللاعبين الذين استنجد بهم الناخب الوطني، دون أن يقدموا القيمة المضافة المطلوبة، وعدم صواب إبعاد لاعبين لايمكن الاختلاف بشأن أحقيتهم في التواجد في عرين الأسود ومنهم زياش و مزواري وحمد الله وآخرين. القرار “الزياشي” أثار مواقف متباينة بين عموم الجمهور الرياضي، بين من تعامل إيجابا مع ما أقدم عليه زياش من قرار شخصي باعتباره حرا في تحديد مستقبله الكروي، ومن رأى فيه استخفافا بالقميص الوطني، ومن اعتبره موقفا متوقعا في ظل ما يعيشه اللاعب من حالة يأس وفقدان ثقة، بعدما تم إبعاده من عرين الأسود وخاصة في ظل استمرار الناخب الوطني على موقف الإبعاد والعناد، ومن رأى أن أي منتخب أو أي فريق كروي لن يستقيم عوده إلا في ظل حضور ثقافة الانضباط والالتزام، ومن حمل المسؤولية للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وخاصة لرئيسها، الذي لم يقم بما يلزم القيام به لوقف حالة العناد والخلاف بين حكيم ووحيد، بل أكثر من ذلك، هناك من ربط قرار نجم تشيلسي، بالمنظومة الكروية الوطنية عموما ومنظومة المنتخب الوطني خصوصا، وما يشوبها من بعض الممارسات غير الصحية بل وغير المسؤولة، سبق أن كانت موضوع تصريحات سابقة لبعض الأطر الوطنية. وفي هذا الإطار، ومهما اتفقنا أو اختلفنا مع قرار اللاعب الدولي حكيم زياش، فلا يمكن أن ننسى أن اللاعب أعطى ظهره في وقت سابق للمنتخب الهولندي، وأقبل عن طواعية على حمل قميص المنتخب الوطني في إطار اختيار عاكس لروح الانتماء للوطن، كما لا يمكن لاثنين أن يختلفا حول قيمة اللاعب وقدراته ومهاراته الكروية، بدليل أنه يمارس في فريق يعد من أكبر وأعرق الأندية الإنجليزية، في حجم وقيمة “تشيلسي”، وفي هذا الإطار، وبقدر ما نربط قرار زياش بالمواقف العنيدة للمدرب الوحيد الذي لازال مصرا على إشهار “فيتو” الإبعاد في وجه اللاعب، بقدر ما نـرى أن قرار نجم تشيلسي، هو مرآة عاكسة لبنية أو منظومة كروية في حاجة ماسة إلى ما يشبه “الرؤية الاستراتيجية”، وإلى منتخب وطني بات أكثر من أي وقت مضى، في حاجة إلى “التطهير” و”التعقيم”، وإلى ما يلزم من شروط “المصداقية” و “الشفافية” و”الوضوح” و”المسؤولية” و”المحاسبة”. ما هو ثابت ومؤكد أن المنتخب الوطني لكرة القدم هو فوق “زياش” و “وحيد” و”حجي” وفوق رئيس الجامعة بل وفوق الجميع، ولا يمكن إخضاعه للأهواء والأنانية والمواقف الشخصية والممارسات الوضيعة، وحمل قميصه أو الإشراف عليه أو إدارته، هو “تكليف”، يقتضي التحلي بما يلزم من ضوابط الالتزام والانضباط والشفافية والمصداقية والمسؤولية والمحاسبة والوضوح مع الرأي العام، من منطلق أن الدفاع عن ألوان المنتخب الوطني، هو دفاع عن إشعاع الوطن وبهائه ورقيه بين الأمم والشعوب، وعليه، وبقدر ما نتأسف لقرار زياش، اعترافا منا بقيمة اللاعب وحاجة الأسود إلى وجوده وخدماته، استحضارا للاستحقاقات الكروية القادمة، بقدر ما ندين سياسة إشهار بطاقات “الإبعاد” و”الإزاحة” و”الإقصاء” في وجه بعض اللاعبين، لمبررات تحضر فيها الذاتية والأنانية والانفعال والعناد و”أشياء أخرى”، بعيدا عن معايير الكفاءة والجدارة والاستحقاق، وقد كان بالإمكان تفادي فتح النقاش بشأن ما أقدم عليه زياش من قرار. لكن، تواضع الأسود في المونديال الإفريقي الأخير، يفرض علينا كمتتبعين للشأن الكروي الوطني وكجمهور رياضي، إبداء مشاعر الأسف، ونحن نفرط في نجم يبلي البلاء الحسن مع فريق تشيلسي الإنجليزي، في وقت يتم الرهان على بعض الأسود التي تبين فقدانها لقوة وهيبة وشراسة الأسود، وفي جميع الحالات، نرى أن القضية الكروية هي أكبر من زياش وتتجاوز بدون شك ما أقدم عليه من قرار مؤسف، هي قضية كرة وطنية تحتاج إلى “بنية” غير “البنية” و ”وجوه” غير “الوجوه” وإلى زواج حقيقي بين “المسؤولية” و”المحاسبة”، أما إبعاد لاعب أو تغيير مدرب أو الاستنجاد بمدرب آخر، فلن يكون إلا محاولة لإخفاء شمس الحقيقة بالغربال، أو محاولة مكشوفة لإخفاء الأعطاب والجروح بمساحيق التجميل التي تزول كلما أشرقت شمس الكبوات والانتكاسات …