المواطن24
بأحد المقاهي الشعبية جلس عبد الكبير وصديقه المختار، يرشفان كأس شاي ونظراتهما مركزة على شاشة التلفاز، تكاد تتوسل إلى خيول الرهان كي تصطف كما دونا أرقامهما في تذكرة الرهان.
حصان مغمور بعثر حساباتهما، و أعادهما إلى اجترار الحديث اليومي عن قلة الحظ الذي يحول دون فك أزمتهما المادية المزمنة أمام تراجع مداخيل تجارتهما والطلبات المتزايدة للزوجة والأبناء، إلى أن جاء صديقهما القديم بوشعيب حاملا معه حلا سحريا يقود إلى الثروة من خلال استثمار بسيط وغريب عنوانه شراء المال.
عرض بوشعيب على صديقيه المفلسين مبلغ 10 آلاف درهم مقابل ألفي درهم فقط، وهو العرض الذي استغرقا وقتا طويلا لفهمه بعد أن أخفضا صوتهما وشرعا في حديث أقرب إلى الهمس، انتهى بالاتفاق على موعد تسلم المال وتسليم ثمنه..؟
لم يكن عبد الكبير والمختار الوحيدين اللذين استفادا من عملية الاستثمار في المال، بل إن شبكة كبيرة بدأت تتسع يوما بعد يوم، وتجذب إليها عشرات الزبناء الراغبين في اختصار الطريق إلى الثروة، خاصة من التجار الذين فضل بعضهم ولوج اللعبة تدريجيا بشراء ورقة مالية من فئة 200 درهم مقابل 50 درهما، على سبيل التجربة قبل أن يدمنوا فيما بعد حلاوة الربح السريع دون مجهود، وينتقلوا إلى أرقام كبرى، بل هناك من قدم شيكا على بياض مقابل مبالغ بالملايين نجح في تصريفها ليستعيد شيكه، ويستثمر ماله المكتسب في شراء ملايين أخرى
…بعد مرور مدة وجيزة نجحت الشبكة في جني أرباح مهمة من خلال ترويج الأوراق المالية المزيفة، وساعد على نجاح عملياتها التزوير المتقن الذي يحول دون افتضاح أمر الأموال المزورة، إلى أن تسبب مستثمر جديد في فضحها.
تقدم بائع عصير إلى مصلحة الشرطة وهو يحمل ورقة مالية من فئة 200 درهم بحرص شديد قبل أن يخبر ضابط الشرطة أن زبونا شرب كأس عصير بدرهمين، ومده بالمبلغ وبعد أن أخبره بأنه لا يملك ما يرد به الباقي، أبدى الزبون مرونة مبالغ فيها، وهو يمهله إلى غاية الليل من أجل تدبير الباقي، الأمر الذي جعل الشك يتسرب إلى بائع العصير الذي انتظر انصرافه من المكان، ليخرج الورقة ويحدق فيها بإمعان قبل أن يقرر قطع الشك باليقين، وتسليم ورقة ملغومة لا يملك فيها سوى درهمين.
طلب رجال الأمن من بائع العصير العودة إلى عربته، والتصرف بشكل عادي في الوقت الذي تم فيه نصب كمين محكم لعضو العصابة الغبي الذي فوجئ وهو يطلب ما تبقى برجال الأمن يحاصرونه ويقتادونه إلى غرفة التحقيق، وبعد إنكار لم يستمر وقتا طويلا شرع في ذكر أسماء وعناوين دونها ضابط الشرطة، قبل أن يرفع سماعة الهاتف ويطلب الإذن بتشكيل فرقة من أجل اعتقال باقي العناصر.
جرفت العصابة معها عددا من الأبرياء الذين اعتقلوا أثناء البحث، بعد ورود أسمائهم كأطراف انتهت إليها الأوراق المزورة، مثل أحد التجار الذي أقرض جاره مبلغ 200 درهم تسلم مقابلها رخصة سياقة كرهن، وفي اليوم الموالي استرجع الجار الذي لم يكن سوى زعيم الشبكة رخصة سياقته ب200 درهم مزورة، إضافة إلى تاجر آخر اكتشف ورقة مالية مصدرها أحد أفراد العصابة وفضل إحراقها في مرحاض منزله، خشية أن يسقط من جديد في تجربة مريرة اجتازها قبل سنة، بعد أن تقدم ببلاغ ضد شخص سلمه ورقة مالية مزورة قضى على إثرها هذا الأخيرعقوبة حبسية، وبعد خروجه شرع في تهديده
تهاوت العصابة في ظرف وجيز، بعد أن سقطت عناصرها واحدا تلو الآخر في يد الشرطة التي حجزت كميات من الأموال المزيفة، حيث تبين بعد التحريات والتحقيقات أن أفراد الشبكة نجحوا في ترويج كميات مهمة من الأوراق النقدية المزورة التي كانت تنتج باستعمال تقنيات متطورة في عدة مدن مغربية خاصة بالأسواق الأسبوعية
وبعد إحالة عناصر العصابة على قاضي التحقيق تراجع المتهمون عن تصريحاتهم أمام الضابطة القضائية.
وعند إجراء المواجهة بين زعيم العصابة وباقي المتهمين أكدوا جميعا عدم علمهم بالأوراق المزورة المحجوزة لديهم، وأنهم تسلموها إما على سبيل القرض أو إثر معاملة تجارية بينهم على سبيل الأمانة، ليتم تقديم المتهمين إلى محكمة الاستئناف بتهم تزييف أوراق نقدية متداولة قانونا بالمملكة المغربية وتداولها والمشاركة في ذلك طبقا للفصلين 335-334 من القانون الجنائي.
وبعد عدة جلسات حاول فيها كل متهم التأكيد على براءته، وإلصاق التهمة بالآخرين، قضت الهيئة بالسجن 10 سنوات في حق خمسة متهمين، في حين تراوحت باقي العقوبات بين 4 و3 أشهر، مع تبرئة متهمين اثنين وجدا نفسيهما ضحية لعصابة قادها الطمع إلى مقايضة المال بالحرية