تخيم عبد الفتاح
نظمت المديرية العامة للأمن الوطني يوم الثلاثاء 20 شتنبر 2022 بالمعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة، بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ندوة دولية حول موضوع “المعايير والممارسات الرامية للوقاية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أثناء الإيقاف والاستماع والحراسة النظرية”، وذلك بهدف تبادل التجارب والخبرات والنقاش حول الضمانات القانونية والقضائية للوقاية من التعذيب على المستويين الوطني والدولي وكذا تبادل وجهات النظر حول تنفيذ التدابير التطبيقية لمنع التعذيب لضمان حماية الأشخاص أثناء الاعتقال والاستجواب والحراسة النظرية، مع التحسيس بدور آليات الرصد والتشكي والمراقبة ودورهما في الوقاية من التعذيب في أفق إثراء التفكير بشأن مشروع إصلاح المسطرة الجنائية.
وتعرف هذه الندوة رفيعة المستوى مشاركة خبراء وطنيين ودوليين عن مختلف آليات الأمم المتحدة بما فيهم السيد خوان منديز، المقرر الخاص السابق المعني بمسألة التعذيب وغيره من ضروب العقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، الذي سبق له أن قام بزيارة للمغرب سنة 2012، وكذا خبراء من الاتحاد الإفريقي ومجلس أوروبا وممثلين عن القطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية المعنية بما فيها الدرك الملكي والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة ووزارة العدل والتمثيليات الدبلوماسية ببلادنا، فضلا عن ممثلي منظمات المجتمع المدني والجامعات والآليات الوطنية للوقاية من التعذيب.
وتشكل هذه الندوة رفيعة المستوى، فرصة لإبراز التطور الحقوقي الإيجابي الذي عرفته المملكة في مجال حماية حقوق الإنسان، لاسيما أبرز محطاته هيئة الإنصاف والمصالحة كتجربة فريدة ومتميزة في العالم العربي والإسلامي، ومواصلة مصادقة المملكة على الصكوك الأساسية في هذا المجال، بما في ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب (1993) وعلى البروتوكول الاختياري الملحق بها (2014)، وإحداث الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب الموكول اختصاصها للمجلس الوطني لحقوق الإنسان سنة 2018 بموجب القانون 15-76 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس.
كما تشكل هذه الندوة الدولية فرصة لدحض الادعاءات المتعلقة بالتعذيب، لاسيما أن المغرب يعتبر من بين الدول المؤسسة لمبادرة اتفاقية مناهضة التعذيب التي أطلقت في مارس 2014، من قبل حكومات الشيلي والدانمارك وغانا وإندونيسيا والمغرب، بهدف الوصول إلى مصادقة جميع دول العالم على الاتفاقية وتحسين تنفيذها في أفق سنة 2024، كما أن بلادنا دعت مؤخرا إلى اعتماد مبادئ منديز بشأن المقابلة الفعالة في سياق التحقيقات وجمع المعلومات، من خلال اتخاذ تدابير مناسبة لإدراج هذه المبادئ في مشاريع ومقترحات القوانين وإجراءات المحاكمات والتكوين وتعزيز الامتثال لها من قبل قوات الأمن ومهنيي القانون والسلطات المختصة من أجل ضمان أكبر قدر من الحماية لجميع الأشخاص المستجوبين والمحرومين من حريتهم، حيث تقوم مبادئ منديز على الدمج ما بين القانون والأبحاث العلمية الراسخة والمتنامية حول أساليب الاستجواب التي تسهم في الحصول على معلومات دقيقة وموثوقة من الشخص الذي تتم مقابلته، كما أن هذه المبادئ من شأنها أن تمكن المكلفين بإنفاذ القانون من تغيير العقلية والثقافة المؤسساتية السائدة للابتعاد عن الممارسات التي يقصد منها الحصول على اعتراف بالعنف والاتجاه نحو المقابلة التي تقوم على العلاقة الودية مما من شأنه تعزيز من الثقة في المؤسسات الأمنية.
خلال هذه الندوة الدولية تم التأكيد على كون ممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة مجرم بمقتضى الدستور ومقتضيات القانون الجنائي، خاصة وأن ضمان الحقوق الأساسية في الحياة والحق في السلامة الجسدية خيار استراتيجي لبلادنا لا رجعة فيه، وأن هذه الندوة تشكل مناسبة للتأكيد مرة أخرى على أن المملكة قطعت مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وحققت مكاسب هامة في هذا المجال كرسها دستور 2011.
وفي هذا السياق، تم التأكيد على أن السلطات العمومية تواصل – عبر مختلف أجهزتها المكلفة بإعمال القانون – مجهوداتها في بلورة رؤية متكاملة تهم حقوق الإنسان والعمل على أرض الواقع لتحقيق احترام الحريات على أفضل وجه، والنهوض بها إلى أبعد مدى.
كما تعمل على رفع مستوى مواردها البشرية، وتطوير وتحديث بنياتها، وعلى تحقيق مجموعة من المشاريع تدخل في مجال مناهضة العنف وسوء المعاملة، من خلال اتباع سياسة التكوين والتحسيس والتواصل المدعم للوقاية منه لفائدة موظفيها المكلفين بإعمال القانون، وتفعيل مدونة للسلوك بالنسبة لعناصر القوات العمومية لتعزيز الحماية والوقاية من سوء المعاملة في جميع حالات التفاعل والتعامل مع المواطنين.
وفي هذا الصدد، وجب التذكير أن المديرية العامة للأمن الوطني ما فتئت في إطار الجهود المبذولة في مجال متابعة وتحسين ظروف الاعتقال، وكذا تحسين ظروف أماكن الاعتقال والحرمان من الحرية، انطلاقا من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة والتشريعات الوطنية (المعايير الخاصة بالحراسة النظرية)، وعلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات من أجل مواصلة الجهود الرامية إلى تعزيز مكافحة حالات التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، -خلافا لادعاءات التعذيب وسوء المعاملة بمراكز الحراسة النظرية والتي لا أساس لها من الصحة وتهدف بالأساس إلى تضليل الرأي العام الوطني والدولي عبر اختلاق ادعاءات ومغالطات واهية-، وذلك من خلال:
التذكير بضرورة تفعيل مقتضيات المدة 66 من قانون المسطرة الجنائية فيما يتعلق بإشعار الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية بشكل فوري وواضح بأسباب إلقاء القبض عليه وحقه في التزام الصمت وحقه في الاستعانة بمحامي أو بالمساعدة القضائية بالإضافة إلى ضرورة إشعار العائلة أو التمثيليات الدبلوماسية أو القنصليات بالنسبة للأجانب؛
تحسيس الموظفين بصفة دورية بضرورة تحسين طريقة التعامل واستقبال المواطنين، مع تجنب أي تصرف يمكن أن يصنف تعذيبا جسديا أو نفسيا طبقا للتشريع الدولي والمغربي؛
التذكير بضرورة توفر أماكن الوضع تحت الحراسة النظرية على كافة الشروط الصحية من نظافة وتهوية وإنارة وأغطية كافية ونظيفة، بصفة عامة كل الشروط التي تحفظ للشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية كرامته وإنسانيته؛
الحرص على عدم الاحتفاظ بأي معتقل خارج الغرف الأمنية الخاضعة لمراقبة النيابة العامة؛
الحرص على وضع القاصرين تحت الملاحظة في الفضاءات المخصصة لهذه الفئة مع الفصل بين الجنسين؛
تعميم قاعات لزيارة المحامين في جميع المراكز التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني.
قيام لجن تابعة للمفتشية العامة بالمديرية العامة للأمن الوطني بجولات للتأكد من تطبيق التوجيهات في هذا المضمار.
توجيه مذكرات تأطيرية موضوعية إلى جميع المراكز تتضمن المقتضيات القانونية الدولية والوطنية ذات الصلة بمجال حماية حقوق الإنسان.
كما سن المشرع المغربي آليات متعددة لحماية الأشخاص المودعين رهن الحراسة النظرية، وكذا رهن الاعتقال حماية لهم من المساس بسلامتهم البدنية والنفسية، حيث خول للسلطات القضائية مجموعة من الإجراءات ضمانا لعدم تعرضهم للتعذيب، من بينها زيارة أماكن الاعتقال من طرف وكلاء الملك أو نوابهم سواء أثناء البحث التمهيدي أو أثناء الاعتقال الاحتياطي.
وختاما، فتنظيم مثل هذه التظاهرات الدولية وتبادل النقاش بكل حرية بشأنها بشكل عادي دون أي طابو في أوساط ضباط الشرطة والقضاة والمدعين العامين والموظفين المكلفين بإعمال القانون والجامعيين، راجع إلى ما حققته المملكة من مكتسبات في مجال حقوق الإنسان، ولاسيما ما راكمته من إنجازات على مستوى توفير مزيد من الضمانات الدستورية والمؤسساتية والتشريعية لحماية حقوق الإنسان بصفة عامة والوقاية من التعذيب بصفة خاصة، وستتيح التوصيات والمقترحات المنبثقة عن هذه الندوة الدولية تعزيز الإطار القانوني لمناهضة التعذيب وكذا المساهمة في إصلاح منظومة العدالة الجنائية.