المواطن24
نظمت ودادية موظفي العدل بشراكة مع وزارة العدل، بفضاء المركز الجهوي للحفظ بالعيون، ندوة وطنية في موضوع “أرشيف العدالة تراث عريق وذاكرة وطنية في خدمة الوحدة الترابية “، وذلك تزامنا مع اليوم الوطني للأرشيف، الذي يحرص المغرب على تخليده في 30 نونبر من كل سنة، واحتفاء بالذكرى السابعة والأربعين للمسيرة الخضراء والسابعة والستين لعيد الاستقلال المجيد. وتندرج هاته الندوة في سياق المبادرات التي تسعى الى الارتقاء بأرشيف منظومة العدالة والتحسيس به باعتباره تراثا وطنيا راسخا شهد على محطات هامة من تاريخ الأمة المغربية، وصرحا قويا للحفاظ على هويتها ورموزها الثقافية وسيادتها الوطنية، بما يتضمنه من أحكام قضائية ومذكرات ترافعية ومحاضر جلسات، وكونه نافذة لاستقراء إسهامات أسرة العدالة وحضورها القوي في ملحمة العرش والشعب من أجل تحقيق الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية واستكمال الوحدة الترابية.
ومن أجل ضمان مقاربة متعددة الأبعاد، حرصت ودادية موظفي العدل وشركاؤها، على توجيه الدعوة الى مختلف المؤسسات المعنية، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالذاكرة الجماعية للمغرب، حيث لبت الدعوة المؤسسات الآتية:
وزارة العدل؛
المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
رئاسة النيابة العامة؛ المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير؛
المجلس الوطني لحقوق الانسان؛
خبراء وأساتذة باحثين مختصين في مجال المخطوطات والوثائق.
جرت أطوار هذه الندوة في طورين توزعت خلالهما المساهمات بين كلمات افتتاحية، وتجارب مؤسساتية في الطور الأول، تلتها زيارة لفضاء الذاكرة القضائية بالمركز الجهوي للحفظ بالعيون الذي يتضمن وثائق ومخطوطات وأحكام قضائية تاريخية ذات الصلة بالروابط بين الملوك والسلاطين العلويين بسكان الأقاليم الجنوبية.
وفي الطور الثاني انعقدت جلسة علمية، حسب محاور خمسة هي: “أرشيف المجلس الأعلى للسلطة القضائية آلية لحفظ الذاكرة القضائية” تقديم السلطة القضائية”؛ “دور الوثائق في خدمة الوحدة الترابية”، تقديم سيبويه عبد الوهاب باحث أكاديمي مهتم بالوثائق والمخطوطات”؛ “حفظ الذاكرة التاريخية الوطنية، بما تمثله من رمزية ودلالات تجسد انتصار إرادة العرش والشعب والتحامهما الوثيق دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية”، تقديم المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير؛ “دور المراكز الجهوية للحفظ في حفظ الذاكرة القضائية كجزء لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية”، تقديم المراكز الجهوية للحفظ؛ ” الأرشيف الوطني في خدمة الوحدة الوطنية والترابية للمملكة”، تقديم الدكتور محمود الزاهي استاذ باحث في التاريخ المعاصر. ولقد انتهت الندوة إلى عدد من الخلاصات والتوصيات: أولا-الخلاصات اعتبرت كل المداخلات أن الذاكرة القضائية رافد عريق من روافد الذاكرة الوطنية الحية، بما يزخر به وثائق نفيسة لمنظومة العدالة تبين بجلاء أدوارها في تمتين صرح الوحدة الترابية والوطنية للمملكة، وحفاظها على هوية المغرب العريقة ورموزه الثقافية وسيادته الوطنية، ومهامها الجليلة لضمان الأمن القانوني والقضائي، ولعل هذا ما حدا بمنظمي هذه الندوة إلى تسليط الضوء على مفهوم أرشيف العدالة كأحد أكثر مصادر المعلومات موثوقية، بما تتضمنه من وثائق قضائية على اختلاف أنواعها من أحكام قضائية ومذكرات ترافعية للمحامين ومحاضر جلسات وخبرات ووثائق داعمة، الشيء الذي جعلها من أهم أشكال الذاكرة الجماعية المكتوبة المكونة للهوية المغربية المتنوعة، الأمر الذي يحث على مزيد من تكثيف الجهود، وتصحيح التصورات حول الأرشيف الوطني بشكل عام، وأرشيف العدالة بشكل خاص.
إن حجم المجهودات التي تبذلها المراكز الجهوية للحفظ التابعة لوزارة العدل في صيانة تراث أرشيف منظومة العدالة وحفظه وتنظيمه وتيسير الاطلاع عليه، والتي مكنتها إلى غاية السنة الحالة من المعالجة المادية لأزيد من عشرين مليون ملف، والمعالجة الرقمية لما يناهز اثنا عشرة مليون ملف، بموارد بشرية لا تتعدى ثلاثين موظفا، وما تقتضيه من هذه الجهود من إعادة التفكير على مستوى المقاربة، يدعونا إلى الابتعاد عن المقاربة التقنية لأرشيف العدالة، وتبني مقاربة قانونية وحقوقية وتاريخية، تؤسس لحلول مستدامة توفر للمراكز الجهوية للحفظ سبل القيام بعملية التجميع والتبويب والفرز والحفظ استنادا إلى مقاييس عِـلمية وصولا الى مرحلة المعالجة النهائية والرقمنة. فأما على المستوى القانوني، فقد أكدت بعض المداخلات على ضرورة العمل على مطابقة القوانين المنظمة لأرشيف العدالة للشروط الخاصة بالأرشيف الوطني، وإخراج الهيكلة التي تحدد تنظيم واختصاصات هذه المراكز، وتأهيل البنية التحتية القائمة وتعميمها، وتعزيزها الموارد البشرية المؤهلة.
وأما على المستوى الحقوقي، فقد وقفت كثير من المداخلات على ضرورة إيلاء موضوع ذاكرة العدالة المكانة اللائقة به كجزء من الذاكرة الجماعية المغربية والانفتاح على المجتمع المدني في صوغ السياسات العمومية الخاصة بالأرشيف في إطار فلسفة تشاركية تمكن لاحقا من التوظيف الأمثل لهذا الأرشيف في خدمة القضايا المصيرية لبلادنا.
وأخيرا، على المستوى التاريخي أكدت أكثر من مداخلة على أهمية أرشيف العدالة بما يضمه وثائق نفيسة تعود للقضاء الشرعي بالأقاليم الجنوبية وأيضا في شمال المملكة، وأرشيف محاكم السدد والقضاء العبري والقضاء المختلط في طنجة وغير ذلك. لذلك يتعين تكوين لجان علمية متخصصة من حقول متنوعة من علم الاجتماع والقانون والأنثروبولوجيا والتاريخ لدراسة هذا الأرشيف بالعنايةُ اللازمة الواجبة له.
ثانيا-التوصيات
على المستوى القانوني وتأهيل البنية الإدارية لأرشيف العدالة العمل على إعادة النظر في القرارات الحالية المؤطرة.