[success]المواطن 24 و.م.ع[/success]
حدث يستحق وقفة خاصة بسبب ما قد يكون له من انعكاسات على المستقبل، ويتعلق الأمر بقرار المغرب تعليق علاقته بسفارة ألمانيا بالرباط، بسبب سوء فهم عميق، بحسب رسالة وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، التي وجهها إلى رئيس الحكومة المغربية.
القرار المغربي المضمن في الرسالة، التي انتقيت كلماتها بعناية، وإن لم يكشف عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراءه بدا مفاجئا ، إلا أن المواقف الألمانية السلبية والمتثالية اتجاه المغرب تجعل غضب الرباط متوقعا، وهي مواقف لم تعد خافية على العيان إلى درجة أصبحت تشكل حجر عثرة للديبلوماسية المغربية بأروقة الإتحاد الأوروبي، وحتى بالمنتظم الأممي مؤخرا، عندما دعى السفير الألماني لدى الأمم المتحدة، الذي كانت بلاده ترأس مجلس الأمن الدولي لعقد اجتماع طارئ لهذا المجلس قصد تقييم الوضع في الصحراء، عقب الاعتراف الأمريكي بسيادة المملكة المغربية على صحرائها.
ألمانيا تحاول جاهدة وضع اليد على مقود الاتحاد الأوروبي، خصوصا بعد انسحاب ابريطانيا منه، وبسبب الفراغ الذي أحدثه البريكسيت وانعكاسه السريع على توازن السياسة الخارجية للإتحاد، التي كانت تحكمها رؤيتان، أطلسية، على حد تعبير الرئيس الراحل دوگول، وتقودها بريطانيا، الحليف الطبيعي والاستراتيجي لامريكا، ورؤية أوروبية صرفة تطبعها التوافقات الصعبة وقليلة الانسجام بين أعضاءه الكثر.
طموح ألمانيا في ريادة الاتحاد الأوروبي يجعلها متشبثة بمطلب المقعد الدائم للإتحاد الأوروبي بمجلس الأمن الدولي، في أفق إعادة هيكلة منظمة الأمم المتحدة، وهو مطلب قد يضعف موقع فرنسا، الصديق اللذوذ، بالمنتظم الأممي، وقد يذهب بحظوظها في الاحتفاظ بمقعدها بمجلس الامن الدولي، الذي غنمته من الحرب العالمية الثانية ، أو يفقده وزنه ، مما سيقلل من نفوذ فرنسا لدى حلفائها التقليديين، ومن بينهم المغرب.
لهذا، نجد ألمانيا، في انتظار إعادة هيكلة المنتظم الدولي، تسعى إلى تحقيق اختراق في هذا النفوذ، كان آخرها استغلال الأجواء الباردة التي تطبع العلاقات الفرنسية-الجزائرية خلال هذه الفترة، حين قبلت، من زاوية المصلحة الذاتية الضيقة، أن تضع الاتحاد الأوروبي بأكمله ، تحت سقف الإنفصال بالصحراء المغربية، الذي تمكر الجزائر لأجله، وقبلت أيضا ألمانيا بتهيئ الأجواء لاحتقان كبير بالمنطقة، قد يقوض فرص السلم، في مواجهة القرار الشجاع والمنطقي الذي اتخدته الولايات المتحدة الأمريكية باعترافها بسيادة المملكة على صحرائها.
التنافس الالماني-الفرنسي حول مناطق النفوذ، ومن ضمنها المنطقة المغاربية، ظل على الدوام في السرائر، وحتى منذ الأزمة الأولى ، المعروفة أيضا بأزمة طنجة، حول الوضع الإستعماري الذي شهده المغرب في بداية القرن العشرين، الذي برز من خلال الزيارة المثيرة التي قام بها غيوم الثاني إلى طنجة، نكاية بفرنسا.
كما أن هذا التنافس بين البلدان، يمكن تلمسه في السباق المحموم من أجل لعب دور في تدبير أزمات دول المنطقة، كان آخره مؤتمر برلين حول الوضع في ليبيا، حيث تعمدت ألمانيا إقصاء المغرب من المشاركة في أعماله، رغم أن مخرجات اتفاق الصخيرات حول ليبيا الذي احتضنه المغرب، هو الذي مهد بشكل أو بآخر لفرص عقد مؤتمر برلين، حيث كان هذا الإقصاء مثار تساؤلات طرحها الفرقاء الليبيون أنفسهم قبل المغرب.
إن منطق المنافسة إلى درجة الصراع، الذي يطبع علاقات دول الاتحاد الأوروبي فيما بينها، هو المنطق القديم نفسه، الذي قاد ويقود بالضرورة إلى التصادم مع أطراف أخرى، من ضمنها المغرب ، وهو المنطق ذاته الذي يطبع علاقة الدول الدائمة العضوية بمجلس الامن الدولي حول قضيتنا الوطنية، مع استثناء الموقف الإيجابي للولايات المتحدة الأمريكية اتجاه بلدنا ، موقف وازن وأساسي، للمكانة التي تتحظى بها أمريكا في العالم، ولا تخفى على أحد.
وبالمحصلة، لنا الحق أن نتساءل ، هل سبق أن تخلت يوما بعض هذه الدول المؤثرة عن نظرتها الإستعمارية لباقي دول العالم.
فلا غرابة أن نسمع وزير الخارجية المغربي يقول مؤخرا، في حوار خص به وكالة أوروبا، أنه يتعين على أوروبا، في علاقاتها مع الجوار المتوسطي ، التخلي عن منطق الأستاذ والتلميذ.
هذا التصريح الذي مر خفيفا في الإعلام، كان ثقيلا في ميزان الخطوات الديبلوماسية التي يقوم بها المغرب ، ومن ضمنها قراره اتجاه السفارة الالمانية بالرباط ، اسبوعا بعد تصريحه.
لقد رافق المغرب الاتحاد الأوروبي منذ نشأته، أيام كان يحمل اسم المجموعة الاقتصادية الأوروبية، في إطار شراكة وتعاون منذ سنة 1969، وجدد هذه العلاقة في اتفاق التعاون المتوسطي سنة 1976، أي سنة فقط بعد تنظيم المسيرة الخضراء، وحتى قبل أن تنظم اسبانيا إلى التجمع الأوروبي سنة 1982.
ومن جانبه ظل المغرب يشق طريقه بإصرار في مسار الديمقراطية والتنمية معددا شراكاته الاستراتيجية مع بقية العالم امتعض منها الاتحاد الأوروبي في كثير من المحطات، وعبر عنها بطرق لا ترقى إلى التطلعات.
لذلك، فعندما يتلكؤ الاتحاد الأوروبي في التفاعل الإيجابي مع القرار الأمريكي حول الصحراء المغربية، وهي القوة الاولى في العالم، التي لها وزنها، ولها رؤيتها، ولها مؤسساتها، فإنه من اللازم عليه استيعاب الدرس الذي ينطوي عليه ذلك، قبل أن يفوت قطار الحل الذي لابد أن يأتي داعما للمقترح المغربي حول الصحراء المغربية، ولكل حقوقه المشروعة في سيادته على أرضه وكامل ترابه الوطني.