مروان الجوي
تعتبر مدينة وادي زم أو مدينة الشهداء الأحرار من أهم المدن التي قاومت و كافحت من أجل حرية البلاد و انعتاقها من براتين الإستعمار كما أنها كانت تعرف عند الفرنسيين بباريس الصغيرة، إلا أنها شهدت خلال السنوات الأخيرة بعض الظواهر و التحديات التي تستحق الإنتباه، منها ظاهرة الأرناك و ظاهرة حوادث السير الوهمية، أغلب سكانها كانوا يعيشون في القرى و البوادي المجاورة للمدينة ليقرروا الإنتقال للمجال الحضري طمعا في تحسين وضعهم الإجتماعي، فما كان لهم و لأبناءهم سوى البطالة و التهميش، فأغلبيتهم يمتهنون الحرف الهامشية و يقطنون في منازل عشوائية تفتقر لأبسط شروط العيش الكريم، فهناك فئة من الشباب أضحت خبيرة في ظاهرة “الأرناك” و البعض الآخر امتهن حرفة حوادث السير الوهمية، إذ أضحى الكل يطمح إلى تغيير الواقع الإجتماعي المرير. وادي زم المدينة البئيسة أضحت الآن تحتضن عدة آفات إجتماعية خطيرة، فحوادث السير الوهمية التي اختفت معالمها في السنوات الأخيرة، عادت لتطفوا معالمها على سطح الظواهر الغريبة و المزعجة في المدينة فقد
أضحت مصدر رزق لعدة أشخاص بل اغتنى منها العديد ممن احترفوا و امتهنوا هذه الظاهرة، و يتعلق هذا بتقليد سيء يقوم به بعض السائقين بالتصرف كما
لو كانوا في حادث مروري وهمي من أجل الحصول على تعويضات من شركات التأمين، هذه الظاهرة تعبر عن مشكلة في الأخلاقيات الإجتماعية و تضر بمدينة لها تاريخ و سمعة عالمية. إن ظاهرة حوادث السير الوهمية أضحت تعتبر الظاهرة الأولى الأشد خطورة في المدينة بعدما كانت ظاهرة الأرناك هي حديث الشارع و المقاهي و كانت تعتبر مادة دسمة للجرائد الوطنية و الدولية، و بالعودة لظاهرة الحوادث الوهمية التي أضحت تعتبر فيروسا أشد فتكا من
“كورونا”، إذ أضحى ينتقل بشكل خطير بين سكانها، حصل هذا نتيجة ما تحصده هذه الآفة من مال كثير على أصحابها، إذ أضحت أيضا الموضة الجديدة التي سكنت عقول سكان المدينة بل جعلتهم مهوسين بها، كل هذا يقع في مدينة الشهداء راجع لغياب استراتيجية عمل حقيقية في أبعادها الإجتماعية و الإقتصادية و التنموية..
حيث شبح البطالة يجثو على المدينة و شبابها، فانعدام فرص الشغل و غياب مؤسسات انتاجية و خدماتية و منطقة صناعية جعلت سكان المدينة يلجؤون لطرق غير أخلاقية لكسب قوت يومهم، في ظل هذا الجمود و الموت السريري الذي تعرفه المدينة ظهرت إلى الوجود ظاهرة الحوادث الوهمية إذ و قبلها ظاهرة الأرناك، هذه الظواهر التي لعبت دورا مهما في خلق رواج تجاري و اجتماعي في المدينة بل و أضحت أكثر نشاطا في الليل و لا تغلق أبوابها إلا في وقت متأخر، و من هنا وجب طرح التساؤل حول مآل و مصير هؤلاء من امتهنوا ظاهرة الحوادث الوهمية و سماسرتهم الذين عرفت حياتهم المادية و الإجتماعية تحولا سريعا، ماذا لو انقرضت يوما هذه الظاهرة فكيف سيصبح حالهم و حال الرواج التجاري الذي أصبحت تعرفه المدينة؟
إن غياب الأدوار الإجتماعية و الإقتصادية للمجالس المنتخبة المتعاقبة على المدينة جعل الأمر كارثيا و جعلنا نضع أكثر من علامة استفهام حول هذه البيئة الخطيرة التي جعلت ملعبها يعرف انتعاشة كبيرة لحرف النصب و الإحتيال على القانون أولا و على شركات التأمين، وادي زم المدينة الأوروبية المعشوقة التي أضحت تعتبر مثالا على التحديات التي تواجه المدن الحديثة في التطور الحضري، المدينة التي كانت و لازالت تشهد على عراقة و كفاح الأجداد، فقد هدمت هويتها و أصبحت ظواهرها السوداء تطفو على ظلامها حتى في عز النهار، فهل هناك من يشعل شمعة أمل لشبابها و ساكنتها أم أن دار لقمان ستبقى على حالها؟؟