المواطن 24
يشكل اليوم العالمي للمدن، الذي يتم تخليده في 31 أكتوبر من كل سنة، مناسبة لفتح مسارات جديدة للتخطيط لمستقبل المدن، والتفكير في سبل مواجهة تحدي حدات التوسع الحضري، وجعله توسعا مستداما يراعي التقدم التكنولوجي، والفوارق الاجتماعية والتغيرات المناخية.
وتقف الأسرة الدولية في هذا اليوم، الذي اختير له هذه السنة شعار “تمويل مستقبل حضري مستدام للجميع”، عند ما حققته من منجزات في مجال التخطيط والتأهيل الحضري، وأيضا عند مدى استعدادها لمواجهة التحديات التي تهدد مستقبل مدنها. وفي هذا الإطار، أولى المغرب عناية خاصة لسياسة المدينة في كل استراتيجيات التنمية لتعزيز قدرتها على الاستدامة والصمود، مما يجعل المناطق الحضرية ميدانا لتحديات وإشكالات جديدة، على اعتبار أن التوسع الحضري يشهد في الوقت الراهن نموا مضطردا يشكل ضغطا على الموارد والمناخ
. وتمثل مبادرة المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، إلى إطلاق برنامج طموح للمدن الجديدة، خيارا استراتيجيا لمواكبة تسارع وتيرة التطور العمراني للتجمعات الحضرية الكبرى بشكل متحكم فيه، وتحقيق توازن على مستوى التنمية الحضرية، لإرساء سياسة عمومية تروم التخفيف من الضغط على الحواضر الكبرى والتخطيط في مجال التوسع الحضري
. وتقوم هذه السياسات العمومية في إطار ممارسات التخطيط العمراني المبتكر على إحداث التوازن بين الشبكة الحضرية الجهوية، واستشراف آفاق التنمية الحضرية، ووضع برامج للتجهيزات الكبرى والخدمات، ومناطق الأنشطة الصناعية. وفي هذا السياق، تشكل المدن الأربعة الجديدة التي تم إحداث وهي تامنصورت، وتامسنا، ولخيايطة، والشرافات، مختبرات حضرية حقيقية، كونها تمثل ورشا متجددا يتسم بتعدد الرهانات، ويتطلب تطوير الشراكات والتنسيق بين مختلف الفاعلين المؤسساتيين ومن القطاع الخاص، وتعبئة الموارد الضرورية بغية الاضطلاع بدور حاسم في تحقيق التنمية المستدامة. وفي ما يخص التعمير، عمل المغرب على الرفع من العرض الترابي الموجه للاستثمار، إذ صادق سنة 2022 على 15 تصميما يهم تهيئة المدن الكبرى والمجالات المتروبولية والمجالات ذات الضغط العمراني، وست مخططات توجيهية للتهيئة العمرانية و90 تصميم تهيئة، إلى جانب تحديد مجالات ترابية لمناطق قابلة للتعمير من شأنها استقطاب الاستثمار بـ29 وكالة حضرية.
وفي هذا الصدد، أكد مدير المعهد الوطني للتهيئة والتعمير بالرباط، عادل زبادي، أن معدل التوسع الحضري بالمغرب يفوق بقليل نسبة 60 بالمائة وسيبلغ نسبة 70 بمائة بحلول سنة 2030، مما يطرح ضغطا على البنيات التحتية والخدمات العمومية. وأوضح السيد زبادي، في حوار لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المغرب اعتمد في مجال التنمية الحضرية، مقاربة قائمة على المشاريع من أجل التأهيل الحضري، تهم إحداث مشاريع محددة تروم تحسين البنيات التحتية والبيئة وجودة الخدمات، مستحضرا مشروع الرباط مدينة الأنوار، وبرامج التأهيل في طنجة وأكادير والدار البيضاء، وهي كلها مشاريع تمر عبر إحداث هيئات مخصصة لهذا الغرض وممولة من الدولة أو الجهات أو الأقاليم أو الجماعات الترابية، وكذلك عبر الوكالات الحضرية والبنوك.
واعتبر أن تقوية قدرة المدن على الصمود في مواجهة المخاطر الطبيعية تمثل رهانا مهما من أجل ضمان سلامة واستقرار التجمعات الحضرية، مؤكدة ضرورة اتخاذ مجموعة من التدابير المرتبطة بالتخطيط الحضري، من قبيل البناء المضاد للزلازل والفيضانات، وتطوير البنيات التحتية الحضرية، ومبادرات التحسيس والتوعية، فضلا عن التعاون الدولي عبر تقاسم الممارسات الفضلى والتقنيات والموارد في حالة الكوارث. وسجل أن آفاق تطوير المدن المغربية تكتسي أهمية بالنسبة لمستقبل التنمية بالمغرب، ويمكن أن تأخذ مسارات متعددة بحسب الأولويات والسياسات الحكومية، على غرار التعمير المستدام عبر اعتماد أنظمة النقل المتطورة والسكن الصديق للبيئة، وتخفيض انبعاثات الكربون والحفاظ على الموارد الطبيعية، مبرزا أنه باستطاعة المدن المغربية أن تصبح مراكز اقتصادية وتكنولوجية قوية عبر تشجيع الابتكار والمقاولات وخلق مناصب الشغل في مجال التقنيات والسياحة والصناعة.
واعتبر أنه من نافلة القول التذكير بأن مستقبل المدن يتعزز بسياسات إدماجية اجتماعية للحد من الفوارق والولوج العادل إلى الخدمات الأساسية وتشجيع التعددية الثقافية عبر مزيد من الاستثمار في حفظ تراثها الثقافي والتاريخي وتطوير بنياتها السياحية، وبتصورات السياسات الحكومية وتلبية حاجيات السكان والحفاظ على الموارد المتوفرة، ليخلص إلى أن مستقبل المدن وازدهارها يبقى رهينا بالتخطيط للتحولات المتسارعة بشكل استراتيجي ومستدام.