في اطار الجولة التي تقوم بها فيدرالية جمعيات الأحياء السكنية بمنطقة دكالة، للتعرف والتعريف بتنوعها الجغرافي والطبيعي وموروثها التاريخي، وجمع المعلومات والمعطيات لتحيين الملف الترافعي لفيدرالية جمعيات الاحياء السكنية .
كان لنا يوم 25 فبراير 2024 موعدا مع فضاء سيدي مصباح الذي يترامى رحبا على بساط محاذ لمحطة الأداء للطريق السيار الرابط بين الجديدة والدار البيضاء.
وككل جولة نقف مذهولين على عظمة ومهابة تاريخ المغرب وأصالة حضارته، وفي نفس الوقت نعتصر ألما لما وصلت إليه معالم هذه الحضارة.
في هذه الجولة قضينا بعض الوقت بين أحضان بقايا حضارة تحتضر، نشم عبق الطبيعة من وراء السياج لمعلمة تشهد على التاريخ المغربي في قلب عاصمة دكالة. حاولنا استنطاق معالم أصبحت أثرا بعد عين أنها مدينة المجاهدين أو فحص المجاهدين، موقع اثري كبير، يقول المؤرخون أنه كان مركز قيادة عسكرية، ومركبا يتضمن عدة مرافق، تقدم كل الخدمات، يتجمع فيه المجاهدون ضد المحتل البرتغالي لمدينة البريجة (الجديدة)، إلا أن تم طرده سنة 1769م…
هذه المدينة، مدينة المجاهدين، طمست و تغيرت معالمها عما كانت عليه، وأمام شح المصادر التاريخية لا يمكنك رسم ما كانت عليه من قبل، فما بقي من أطلال يرسم بقايا أسوار، حيث يقف الزائر على ثلاث حقائق: أولها عظمة تاريخ المغرب، وثانيهما حالة التردي والابتذال بسب يد الإنسان وتقلب الزمان واهمال المسؤولين ولا مبالاتهم، والحقيقة الثالثة هي أن هده المنطقة تعد رهانا حقيقيا للتطوير والتنمية في إطار تصور شمولي يعيد النضر في سياسة التعامل مع تاريخ المنطقة…
المعلمة الثانية التي زرناها أيضا هذا اليوم، منارة سيدي مصباح المجاور للموقع، معلمة تنتظر هي الأخرى مصيرها المحتوم الذي قد تحدده الجرافات العاملة قريبا منه، المنارة تعرضت أغلب تجهيزاتها للتخريب والسرقة وأصبحت أركان بنايتها ملجأ للمتسكعين، وهي برج مربع بارتفاع 18م، يقع على ربوة غير بعيدة كثيرا عن محطة الأداء للطريق السيار، كان يبعث حسب المختصين وميضا أبيضا وأحمرا بالتناوب كل ست ثوان، خبت انواره هذه منذ زمان وطاله الإهمال، ولم يشفع له كونه من تراث المدينة، ومعلمة معمارية تحكي عن زمن مضى.
المعلمتين تتطلعان إلى الاهتمام من جهة بتعميم المعلومات عنهما والمعطيات التاريخية الدقيقية، وهي مسؤولية تتحملها جامعة شعيب الدكالي، مشرفين واساتذة، ومن جهة أخرى إعادة الاعتبار لهما وترميمهما وصيانتهما، خصوصا وأننا أصبحنا نتخوف من نية أصحاب المركبات والمشاريع المجاورة، الذين قد تكون عينهم مفتوحة على أراضي تلك المدينة خصوصا بعد إدخالها ضمن المنطقة التي تم تسييجها من أجل إنجاز مشروع عمراني كبير، ويزداد الشك والخوف من عدم تحرك المسؤولين عن السياحة والثقافة، لتحديد مصير هذه المدينة وإنقاذ هذه القلعة، فقد يكون عدم التحرك هذا، قرارا واعيا يسمح بالإجهاز على تلك المآثر، وهو ما سيشكل تواطئا لمحو جزء مهم يتعلق بالذاكرة التاريخية للمغرب وذاكرة أهل دكالة على الخصوص، وتعويضها بمباني اسمنتية لن يكون المستفيد منها إلا زمرة قليلة من المحظوظين.
ويتضاعف هذا الشك بعد تسييج الموقع ومنع العموم للوصول إليه،
ويجب أن تبقى هذه المعالم شاهدة على حضارة المنطقة. فالماضي هو كنز الحاضر والمستقبل ومن لم يستطع الحفاظ على ماضيه لا يمكن أن يبني مستقبلا، ولا يمكنه ان يستوعب تلك العلاقة الذهبية بين الموروث التاريخي والبعد التنموي، القائمة على إحكام جسور تواصلية مع الماضي بإبداعاته الحضارية، وإقامة حوار تفاعلي معه بغية استخراج كنوزه و تحويله إلى مادة اقتصادية وصناعة سياحية تساهم في التنمية والتقدم .
وقد قررت فيدرالية جمعيات الاحياء السكنية مراسلة كل الجهات المختصة محليا اقليميا جهويا و وطنيا، من أجل العمل على صيانة الموقع وترميمه وطمأنة الراي العام..
الخلية الاعلامية لفيدرالية جمعيات الأحياء السكنية..