عزيز أخواض
يعيش المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة، الذي يمتد من 18 إلى 21 ديسمبر 2024، في عزلة غير مفهومة وانغلاق غير مبرر، وكأن اسمه لا يحمل صفة “الدولي” التي تتطلب الانفتاح والتفاعل مع محيطه المحلي والوطني.
فكيف لحدث بهذا الحجم أن يُقام دون أن يعلم به الإعلام المحلي أو المجتمع المدني، وهما الأساس في إشعاع أي نشاط ثقافي أو فني؟ المهرجان أم النادي الخاص؟ لا يمكن الحديث عن مهرجان يحمل صفة “الدولي” دون تسليط الضوء على جوهر المشكلة: هذا الحدث يبدو وكأنه تحول إلى “نادي خاص” مغلق على فئة معينة، مما يُفرغ محتواه من أي معنى. فهل يعقل أن يُقام مهرجان مدعوم من المال العام دون أن يكون له أي أثر فعلي في خدمة الثقافة المحلية أو تفعيل دور الإعلام والمجتمع المدني؟ أم أن القائمين عليه يعتقدون أن اسم “الدولي” يمنحهم الحصانة من النقد والمساءلة؟ الإعلام المحلي… الغائب الحاضر إن تغييب الإعلام المحلي عن هذا المهرجان لا يمكن اعتباره سوى استهانة بدوره في تغطية الأحداث وتسويقها وإيصالها إلى أوسع شريحة ممكنة من الجمهور.
فالرسالة الثقافية لأي مهرجان لا تكتمل دون وسائل الإعلام التي تُعتبر شريكا استراتيجيا في نقل الحدث وتحليله وإبرازه. أليس من حق الإعلام المحلي أن يكون شريكا في هذه التظاهرة؟ أم أن الأمر محصور فقط على جهات خارجية أو علاقات خاصة؟ المجتمع المدني… الحلقة الأضعف ما يزيد من غموض هذا المهرجان هو تهميش المجتمع المدني الذي يُفترض أن يكون ركيزة أساسية في أي حدث يُمول من المال العام. فالمجتمع المدني في خريبكة لم يُستشر، ولم يُدعَ، ولم يُمنح الفرصة للمساهمة أو حتى الحضور، وكأن الحدث أُقيم في مدينة أخرى غير خريبكة
. أليس من واجب القائمين على المهرجان إشراك الجمعيات الثقافية والفنية في المدينة لإثراء التظاهرة وتعزيز الشعور بالانتماء لها؟ مال عام… وانغلاق مُبهم لا يمكن التغاضي عن مسألة التمويل، فالمهرجان يُمول من المال العام الذي يأتي من جيوب المواطنين، وبالتالي فهو حق للجميع، وليس لفئة دون أخرى.
المال العام يُفترض أن يُستثمر في أنشطة تُساهم في التنمية الثقافية المحلية وتُعزز من إشعاع المدينة، وليس في أحداث تعيش في عزلة تامة عن واقعها ومحيطها. دعوة للمساءلة والإصلاح إن ما يحدث في المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة يُثير تساؤلات كبيرة حول الشفافية، والهدف الحقيقي من تنظيمه، ومدى تأثيره الفعلي على الساحة الثقافية المحلية. هل الهدف هو مجرد تنظيم حدث شكلي يُضاف إلى سجل الفعاليات؟ أم أن هناك رؤية حقيقية تسعى لخدمة المدينة وسكانها؟ نطالب الجهات الوصية، سواء على المستوى المحلي أو الوطني، بفتح نقاش جاد حول هذا المهرجان وغيره من الأنشطة الثقافية التي تُقام تحت مسمى “الدولي”، مع ضرورة إشراك الإعلام والمجتمع المدني في كل المراحل، من التخطيط إلى التنفيذ.
فالثقافة ليست حكرا على أحد، والمال العام ليس حقا حصريا لفئة دون أخرى. ختاما، إن استمرار هذا النهج الانغلاقي لا يخدم المدينة ولا المهرجان نفسه. بل على العكس، يُكرس فكرة الإقصاء ويُضعف من ثقة المواطنين في المؤسسات الثقافية والفنية. حان الوقت لإعادة النظر في طريقة تنظيم مثل هذه الفعاليات وضمان أن تكون بالفعل “دولية”، لا في الاسم فقط، بل في التأثير والإشعاع.



