المواطن24
مدونة الأسرة المغربية، التي شكلت منذ إصدارها عام 2004 نقلة نوعية في التشريع الأسري بالمغرب، تقف اليوم أمام امتحان جديد. بين مقترحات التعديل المطروحة على طاولة النقاش العام، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتفاقمة، بات الحديث عن حماية الأسرة المغربية ضرورة لا جدال فيها
. فالأسرة ليست مجرد رابطة اجتماعية، بل هي أساس استقرار المجتمع، وحين تهتز هذه المؤسسة، يتداعى البنيان الاجتماعي ككل. لعل أبرز التحديات التي تواجه الأسرة المغربية اليوم هو الوضع الاقتصادي الذي يضغط بقوة على قدرة الأسر على الاستمرار. ارتفاع الأسعار، البطالة، وتراجع القدرة الشرائية كلها عوامل تجعل من الحياة الأسرية عبئاً ثقيلاً على الأزواج. الشاب المقبل على الزواج يواجه صعوبة في توفير الحد الأدنى من متطلبات تأسيس أسرة، فيما تعاني الأسر القائمة من صعوبة تأمين الحاجيات الأساسية مثل السكن، التعليم، والرعاية الصحية.
هذه الأوضاع المادية الخانقة لا تخلق فقط نزاعات داخل الأسرة، بل تدفع أحياناً إلى تفككها، حيث يصبح الطلاق مخرجاً سريعاً للهروب من المسؤوليات المشتركة. لكن الأزمة الاقتصادية ليست وحدها من يهدد استقرار الأسرة، إذ باتت الثقافة المهيمنة تروج لقيم ومفاهيم جديدة تضعف من قدسية الأسرة.
مواقع التواصل الاجتماعي، التي غزت كل تفاصيل حياتنا اليومية، تلعب دوراً محورياً في تشكيل هذه الثقافة. ففي كثير من الأحيان، يتم تقديم الطلاق كقرار “تحرري” يُمكّن المرأة من تحقيق استقلاليتها الاقتصادية والاجتماعية. هذا التوجه لا يخلو من مبالغة وتسطيح، إذ يتم تجاهل الآثار النفسية والاجتماعية العميقة التي يخلفها الطلاق، خاصة على الأبناء.
إضافة إلى ذلك، باتت بعض النساء ينظرن إلى الطلاق، بدعم من هذه الثقافة الجديدة، كوسيلة لتحقيق مكاسب مادية. فالحصول على النفقة أو الحضانة يمكن أن يُستغل أحياناً كمدخل لمشروع مربح، خاصة إذا كان الزوج في وضع مادي ميسور. هذه الظاهرة، وإن كانت لا تمثل الأغلبية، تثير قلقاً مشروعاً بشأن استغلال الحقوق المشروعة لتحقيق أهداف بعيدة عن روح التضامن والتكافل التي يجب أن تسود داخل الأسرة. من جهة أخرى، يبدو أن غياب الوازع الديني عن الكثير من العلاقات الأسرية قد فاقم من هذه الأزمات.
الدين الإسلامي، الذي يعتبر الأسرة اللبنة الأولى في بناء المجتمع، يدعو إلى قيم التضحية، الصبر، والحوار لحل الخلافات. لكن في ظل تراجع تأثير هذه القيم، أصبحت الخلافات الزوجية تُحل سريعاً باللجوء إلى الطلاق بدل البحث عن حلول وسطى. غياب التوعية الدينية والاجتماعية أضعف هذه القيم، وجعل العلاقة الزوجية أكثر هشاشة أمام الأزمات
. في ظل هذه التحديات، تبدو مدونة الأسرة بحاجة إلى تعديل يُراعي الواقع المعيش، دون الإخلال بمبادئ الشريعة الإسلامية التي قامت عليها. يجب أن تُركز التعديلات على تعزيز الوساطة الأسرية، بحيث تصبح إلزامية قبل أي قرار بالطلاق، مع إشراك مستشارين اجتماعيين ودينيين لمساعدة الأزواج على تجاوز خلافاتهم. كما أن قوانين النفقة والحضانة تحتاج إلى ضبط أكبر لمنع أي استغلال مادي لها، وضمان توزيع عادل للمسؤوليات بين الطرفين. لكن القوانين وحدها لا تكفي. فلا يمكن إنقاذ الأسرة المغربية دون إصلاحات اقتصادية واجتماعية أعمق.
تحسين الدخل الفردي، خفض تكاليف السكن والمعيشة، وتوفير دعم مباشر للأسر المحتاجة، كلها خطوات أساسية لحماية استقرار الأسرة. كما أن الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي يجب أن تُوجه نحو تعزيز القيم الإيجابية للأسرة، بدل ترويج التفاهة والنزعة الفردية التي تضعف من روح التضامن العائلي. مدونة الأسرة لعام 2024 ليست مجرد نص قانوني يُعدل أو يُضاف إليه، بل هي فرصة لإعادة بناء علاقة متوازنة داخل الأسرة، تقوم على التفاهم والتكافل والمسؤولية المشتركة
. الأسرة المغربية تستحق حماية أكبر، ليس فقط من خلال التشريعات، بل أيضاً عبر سياسات اقتصادية واجتماعية تضع استقرار الأسرة في قلب الأولويات الوطنية. بهذا النهج، يمكننا أن نحمي الأسرة المغربية، ونضمن لها البقاء كحصن متين أمام أزمات العصر