الموطن 24
مرسل صحفيًا معتمدًا وباحثًا في تاريخ إحاحان، حيث أستقصي التدوين السردي والتحليل الرمزي للصورة الثقافية والبصرية تسطر تضاريس الأرض وندوب الذاكرة الجماعية، أجد نفسي اليوم مضطرًا للحديث عن استهجاني العميق
ورفضي القاطع لما تعرضت له من منع تعسفي وغير قانوني من ولوج فضاء مهرجان أرگان بتمنار، الذي من المفترض أن يكون مجالًا عامًا مفتوحًا للجميع، تحت مظلة الحق في الإعلام وحق الوصول إلى المعلومة، كأحد المقتضيات الجوهرية التي لا غنى عنها في أي بناء ديمقراطي.
ما تعرضت له من منع لم يكن مستندًا إلى أي مبرر إداري أو قانوني أو أخلاقي، بل يمثل شكلًا صارخًا من الإقصاء الرمزي المنهجي، الذي لا يُعد مجرد فعل طارئ، بل هو ممارسة مضمرة تهدف إلى خلق مشهد ثقافي وإعلامي محكوم، حيث يتم
تحجيم الفضاء العمومي وفق شروط صارمة لا تقبل التنوع. هذه الممارسة تكشف عن هشاشة العلاقة بين الفاعلين المؤسسيين ومفهوم الدولة ـ الراعية، لا الدولة ـ الوصية، وتدق ناقوس الخطر في مجال الحقوق الثقافية. لقد شاركتُ في بعض المهرجانات الثقافية، دون أن أتلقى أي نقد أو مناقشة تُذكر من المنظمين أو المشاركين.
لكن في مهرجان أرگان، كان التفاعل مختلفًا تمامًا؛ لقد جوبهتُ بمنع صريح دون أي توضيح أو سبب قانوني. هذه المفارقة تطرح تساؤلات عميقة عن معايير التعامل مع الفاعلين الثقافيين والإعلاميين في منطقتي، وتفضح حقيقة التمييز الذي يتعرض له من يحملون خطابًا نقديًا مستقلًا
. في الوقت الذي يُفترض فيه أن يكون المهرجان فضاءً للانفتاح وتبادل الأفكار، تم تحجيم صوتي وكأنني لا أُحتسب ضمن هذا المشهد الثقافي. إن مهرجان أرگان، الذي كان يُفترض أن يكون رمزًا ثقافيًا وبيئيًا يعكس الهوية المحلية وتنوعها، قد تم اختزاله إلى مشهد عبثي يغيب عنه أبسط معايير التنظيم والتواصل المؤسسي مع الفاعلين الإعلاميين. غياب اللافتات، فضاءات الاستقبال، والمراكز المخصصة للإعلاميين ليس مجرد ضعف تقني، بل هو إفلاس تصوري بنيوي: إفلاس في فهم دور الإعلام في تثبيت الشرعية الرمزية للمجال، وفي النهوض بالهوية الإحيحية المتعددة. وعلى ضوء هذه الأحداث، يطرح السؤال الفلسفي الجوهري:
هل يمكن بناء فضاء عمومي دون الانفتاح على العقل الناقد؟ هل يمكن الحديث عن ديمقراطية ثقافية دون احترام التعدد وحق الاختلاف؟ في الحالة الإحيحية، الجواب المؤلم هو “لا”. ما عشناه هو تجسيد عملي لاستمرار ثقافة الإقصاء المقنّع وشرعنة الرداءة تحت غطاءالسيادة التنظيمية، وهي مبررات لا تصمد أمام أي اختبار للمبادئ الأساسية للحكم الرشيد والمحاسبة. إذ أكتب هذا المقال، لست أكتب من موقع الغضب أو الانتقام، بل من منطلق الالتزام العميق بحقي في حرية التعبير والكرامة المعرفية
. أكتب دفاعا عن حق إحاحان في مهرجان يليق بتاريخها، في تظاهرة تدار بعقلانية تشاركية بعيدة عن السطوة الانتقائية. أكتب إيمانًا بأن الثقافة ليست مجرد بوق للسلطة، بل هي سلطة للوعي النقدي. وأن الإعلام يجب أن يُستعمل لا لتأثيث الواجهة بل لتفكيك الخطاب السائد، ونقد التمثلات، وتوسيع الأفق لصالح المعنى الذي يتجاوز الضجيج. إحيحيًا متنيًا، لا أطلب امتيازًا، بل أطالب بالكرامة المعرفية.
لا أطلب منصبًا، بل أطالب باعتراف وجودي ومهني. إنني أعتبر أن المنع الذي تعرضت له يتعارض مع مقتضيات الفصل 27 من دستور المملكة المغربية، الذي يضمن حق المواطن في الحصول على المعلومة، وحقه في حرية الإعلام، وحقه في نقل الخبر دون رقابة أو تقييد. ختامًا، هذه الكلمات ليست تدوينة احتجاج بل هي وثيقة مساءلة.
مساءلة لواقع مأزوم، وفكر مغلق، ونُخب لم تستوعب بعد أن الثقافة لا تُدار بالولاءات، بل بالكفاءات. إن المهرجان، إن لم يكن منبرًا للفكر الحر، فإنه لا يشرّف من نظّمه بل يعرّيه. كتبه: محمد أفركلا صحفي معتمد باحث في تاريخ إحاحان (سردًا وصورةً وهوية) طالب جامعي



